سياسة

“الحرب التكنولوجية” على الإرهاب.. إلى أين؟

منير أديب


لابد من الاعتراف بأن جماعات العنف والإرهاب ماتزال موجودة، وأن الانتصارات التي تحققت على هذه التنظيمات كانت على المستوى الأمني والعسكري فقط.

يبدو أن التكنولوجيا قد بقيت طوع هذه التنظيمات، فاستخدمتها في نشر أفكارها والتمدد عندما تلاشى وجودها الجزئي على الأرض كبديل لها.

صور مواجهة التنظيمات الإرهابية مختلفة ومتنوعة ولكن بدائل هذه التنظيمات للعمل والانتشار أيضًا متنوعة، ولعلها اتجهت إلى الانتشار “الفضائي” بعدما سقط تنظيم “داعش” الإرهابي في 22 مارس من العام 2019، وهو بديل وجودي بعد انهيار التنظيم وإن كان بشكل افتراضي، وقبل هذا التاريخ أدركت التنظيمات الإرهابية أهمية استخدام هذه التكنولوجيا.

لا يمكن أن ننكر الوجود الافتراضي للتنظيمات الإرهابية ولا خطورة هذه التنظيمات، خاصة وأنها استخدمت شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” في تسهيل مهامها، فكانت بديلًا لها عن الحركة على الأرض وأسرع في نفس الوقت ونتائجها أكبر، فضلًا على أنها تبدو أكثر أمانا لهذه التنظيمات في ظل المراقبة الأمنية لها.

كل هذه الأسباب تدفعنا إلى ضرورة اختراق جدار المواجهة التكنولوجية بصورة أكبر لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وعلى الدول المتطورة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أن تطور هذه التكنولوجيا في مواجهة تنظيمات ما عادت مرئية كما كانت في السابق، فأغلبها مختبئ خلف شاشات الكمبيوتر، مستخدمًا إياها في هدم الدول وفي تنفيذ الاغتيالات وفي استقبال التمويلات لدعم نشاطها، فضلًا عن عمليات التجنيد ونشر الأفكار.

بعد سقوط التنظيمات الإرهابية على أرض الواقع بدأت تبحث لها عن بديل آخر تحافظ من خلاله على ما تبقى لها، ومن هنا كانت الفكرة مستخدمة في ذلك التكنولوجيا المتطورة، والتي سهلت لها التواصل حتى أقصى منطقة في العالم دون أي مشكلة أو عائق، وهو ما يتطلب منا معركة جديدة ومواجهة أخرى مع هذه التنظيمات ولكن على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”.

صحيح هذه المعركة قائمة بالفعل، فلا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، ولكنها مازالت تحتاج إلى مزيد من إنتاج التكنولوجيا لتحقيق مزيد من المواجهة لهذه التنظيمات التي اختبأت داخل خلايا التكنولوجيا، وفرضت سياجًا على هذه الخلايا وتمويهًا، ولعلها استغنت عن نشاطها بشكل مؤقت مقابل الهروب من المواجهة ثم العودة من جديد.

هذا الاستغناء التكتيكي يحميها بعض الوقت وليس كل الوقت، ولكنه يفرض تبعات تتعلق بضرورة تطويع هذه التكنولوجيا ونشر هذه الثقافة حتى تتمكن كل دول العالم من مواجهة التنظيمات الإرهابية الموجودة على أراضيها، خاصة وأن أغلب هذه التنظيمات عابرة للحدود والقارات، أي أنها تمتلك آلية الاختباء التي تدعم به قيادتها، وهو ما يستلزم دعمًا بين كل دول العالم في هذه المساحة.

هناك أدوار أخلاقية على كثير من الدول المتقدمة صاحبة التكنولوجيا الرائدة في تخصيص جزء من برامجها وأبحاثها والتكنولوجيا التي تُبهر بها العالم لمواجهة هذه التنظيمات، والتي باتت ذات خيال فيّاض مكنها من النجاح في الاختباء وتنفيذ العمليات الإرهابية وهي خلف شاشات الكمبيوتر.

نجحت التنظيمات الإرهابية في استخدام برامج مشفرة في التواصل والدعاية واستخدام نفس هذه البرامج في التجنيد، فكان سهلًا عليها تلقي الدعم المالي وعقد الاجتماعات واستصدار التكليفات من قياداتها إلى الأفرع في دول أخرى، وهو ما يتطلب برامج قادرة على فك شفرات البرامج التي تستخدمها هذه التنظيمات، أو الضغط على الشركات المنتجة لها لإلغاء سرية المحادثة، فلا يمكن الحديث عن الخصوصية أمام استخدام التنظيمات الإرهابية لهذه البرامج.

التكنولوجيا سفينة العالم نحو التقدم، فلا يمكن تحقيق الإبحار نحو المستقبل بدونها، ولا يمكن تحقيق الاستقرار بدون مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهنا تبدو أهمية هذه التكنولوجيا وفي تطويعها للتحديات التي تواجه العالم، وأولى هذه التحديات مواجهة جماعات الشر والإرهاب، التي تطل علينا بين الوقت والآخر مستخدمة وسائل التكنولوجيا الحديثة.

لا يمكن تحقيق المواجهة التكنولوجية بدون المعلومات، ولا يمكن الاستغناء عن التكنولوجيا أو المعلومات في معركة القضاء على التنظيمات الإرهابية؛ فالتكنولوجيا تحتاج إلى معلومات والمعلومات لا قيمة لها بدون التكنولوجيا، ولا قيمة لمواجهة الإرهاب وتنظيماته بدون التكنولوجيا والمعلومات معًا، وهذه إحدى صور المواجهة الفاعلة والتي تحتاج إليها مجتمعاتنا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى