سياسة

الجميلة والنخّاس


لا يقبل لبنان إلا أن يكون نشطاً، وما زال لبنان موطن التناقضات.

 لبنان الذي تربع في ضمير الثقافة العربية، وفي زوايا الإدراك الجمعي للإنسان العربي؛ فمنذ البدء أدرك أعداء التضامن العربي أن لبنان نقطة الفرز العربية المكتظة، فاختطفه الماركسيون فترة وتماهى معه الأصوليون أخرى، ولمّع تجار المخدرات في مرآته اللامعة وجوههم الملوثة، الآن يعيش العالم العربي فترة تشبه إلى حد كبير فترة ما قبل الانكسار الكبير، كما تشهد تشكّل جبهة رأي عربي واعٍ بخطورة المغامرات الكلامية التي يجني ثمارها السياسيون وتتجرع مرارتها الشعوب المغيبة.

فسابقاً ظهرت حملة قومية شرسة تخوّن السعودية ولا تتورع عن النيل من كل من خالفها، وكان المبرر جاهزاً وهو خيانة القدس وبيع كرامة الأمة، فكما ظهرت تلك التيارات سابقاً ظهر أحفادهم حالياً لكن بعد أن خلعوا لباسهم المدني الأنيق ولبسوا العمامات السوداء والجلابيب البيضاء، وأيضاً كانت القضية جاهزة، وكان المبرر موجوداً وهو قضية القدس وخيانة الأمة.

وكما كان جمال عبد الناصر وميشيل عفلق يلهبان مشاعر العرب بالخطب الرنانة، قام أردوغان وحسن نصر الله وهنية ومشعل بنفس الدور، وأظهروا التيار العربي – الواعي بحقيقة اللعبة – على أنهم أنانيون جبناء، في تناقض غريب وجهل واضح بأن السعودية هي صاحبة الرأي المتقدم والنظر الأبعد وتدرك الحقيقة المؤلمة لكل تجار القضية المختلّين.

وحين عجزوا عن قيادة موقف سياسي متين سقطوا تباعاً أمام رصانة القرار السعودي ليقولوا “أنتم بدو”، بهدف ضرب التجانس العربي باعتبارنا نوعاً بشرياً لا يمت لهم بصلة.

هم يجهلون أننا نحفظ أسماء القرى اللبنانية، وأن أجدادنا تسلقوا جبل عامل قبل آلاف السنين، وأن فيروز في تكوين وجداننا السعودي، وأن “إسوار العروس الجميلة” هي الجنوب اللبناني، وأن لبنان الأرض التي كانت وستظل مكاناً يلتقي فيه الفرقاء، وينام تحت خيمته الأعداء.

لقد أرهق حسن نصر الله لبنان الجميل، نصر الله الذي يشبه النخّاس الجشع الذي يطوي في يديه حبل العبودية ويجر لبنان إلى سياق سياسي خاسر، وحملت التيارات المعادية للإنسانية كل جمال لبنان وأناقة لبنان إلى ساحة صراع لا يشبه لبنان ولا يفيد لبنان، في تحالف ولد هرماً، التحالف الذي وقف ضد استقلال لبنان، ووحدة أراضيه.

مشكلتهم في لبنان يريدون من دول الخليج أن تسهم في تعمير بلدانهم التي دمروها، ودعم اقتصادهم الذي نهبوه، والوقوف إلى جانب شعوبهم التي أشبعوها فقراً وظلماً، دون أي احترام أو تقدير لكل ذلك وكأننا مجرد صراف ليس له مشاعر أو أحاسيس، ثم يشاء الله أن يكشف ما في قلوبهم من حسد وكره.

لبنان الذي كان مقصداً سياحياً ومزاراً آمنا للجميع تحول لحطام وأشباه دولة منهارة اقتصادياً وسياسياً بسبب العديد من الكوارث التي جرها عليهم حزب الفساد وأعوانهم أذناب الخميني، فهل نستمر في مد يد العون لهم ويدهم ممتدة لعدونا وعدو السلم والأمان في منطقتنا؟

فالكلام الذي صدر عن شربل وهبة وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال ليس حدثاً عابراً يمكن تجاوزه، لأنه كشف لنا ما يبطنون وأكد لنا ما نعرف، صحيح أنّه اضطر إلى تقديم استقالته لكن المشكلة تكمن بكل بساطة في أن شربل وهبة، الدبلوماسي ينتمي إلى مدرسة ما زالت تستخدم في عملية السيطرة على لبنان ووضعه في تصرّف إيران، مدرسة ارتضت الوصول إلى السلطة بصفقة مع حزب الله، ولن تعتذر أو تتراجع عن بقاء لبنان رهينة لإيران.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى