سياسة

الجزائر تطرد دبلوماسيين فرنسيين في خطوة تصعيدية جديدة


طالبت الجزائر، الأحد، برحيل فوري لموظفين دبلوماسيين فرنسيين على خلفية ما وصفته بـ”مخالفات جسيمة” في إجراءات تعيينهم، وهو ما يُرجح أن يزيد من تعقيد الأزمة بين البلدين ويدفع نحو مزيد من القطيعة الدبلوماسية، في وقت لا تبدو فيه مؤشرات للتهدئة من الجانب الجزائري فيما  أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أن فرنسا ستردّ “بشكل فوري” و”حازم” و”متناسب” على قرار الجزائر “غير المفهوم”.
ويعكس التحرك الأخير، الذي جاء عبر استدعاء القائم بالأعمال الفرنسي لدى الجزائر إلى مقر وزارة الخارجية، إصرار السلطات الجزائرية على تصعيد موقفها، إذ طالبت رسميًا بعودة جميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم، بحسب بيان رسمي، بـ”صورة مخالفة للإجراءات المتبعة والأعراف الدبلوماسية الدولية”.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية، فإن السلطات المعنية رصدت تعيين ما لا يقل عن 15 موظفًا فرنسيًا مباشرةً في السفارة والقنصليات الفرنسية بالجزائر، دون إخطار مسبق أو اتباع آليات الاعتماد الرسمية، كما تنص الاتفاقيات الدبلوماسية بين الدول. الأخطر من ذلك، أن من بين هؤلاء، اثنين على الأقل ينتميان إلى وزارة الداخلية الفرنسية، ما يعزز الشكوك الجزائرية حول نيات باريس وتوجهاتها في التعامل مع الملف الأمني داخل الأراضي الجزائرية.

وتتهم الجزائر الجانب الفرنسي بإرسال هؤلاء الموظفين بجوازات سفر دبلوماسية جديدة، رغم أنهم سبق أن دخلوا البلاد بجوازات مهام، ما تعتبره السلطات تجاوزًا للسيادة ومناورة دبلوماسية تهدد الثقة المتبادلة. هذا الإجراء يأتي أيضًا في وقت تتهم فيه الجزائر باريس بتعطيل اعتماد دبلوماسيين جزائريين معينين في فرنسا منذ أشهر، ورفض دخول بعض حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية إلى التراب الفرنسي.

في المقابل ندّد بارو خلال إحاطة إعلامية في بوليفيك في غرب فرنسا بقرار غير مفهوم وقاس مؤكدا أن “مغادرة عناصر في مهام موقتة هي غير مبرّرة وغير قابلة للتبرير”.

وتابع “كما فعلتُ الشهر الماضي، سنردّ بشكل فوري وحازم ومتناسب على هذا القرار الذي يمسّ بمصالحنا.. وهو قرار مستهجن لأنه لا يصبّ لا في مصلحة الجزائر ولا في مصلحة فرنسا”.

في السياق ذاته، كشف تقرير لقناة الجزائر الدولية 24، السبت، عن قيام السلطات الجزائرية بمنع دخول عنصرين تابعين لجهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية  كانا يحاولان دخول البلاد بغطاء دبلوماسي في السفارة الفرنسية. واعتُبر الحادث مؤشرًا إضافيًا على أن الخلاف بين الطرفين لم يعد محصورًا في النطاق السياسي أو الإداري، بل بات يتداخل مع الجوانب الأمنية والسيادية الحساسة.
وفي تعليق فرنسي رسمي على التوتر القائم قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد، في مقابلة مع “فرانس إنتر” و”فرانس تلفزيون” وصحيفة “لوموند”، إن العلاقات بين باريس والجزائر “لا تزال مجمدة تمامًا” منذ الأزمة التي اندلعت منتصف أبريل/نيسان الماضي بطرد الجزائر 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا، تبعتها باريس بإجراء مماثل. تصريحات الوزير تعكس حالة من الانسداد التام في التواصل بين الجانبين، مع غياب أي بوادر للعودة إلى الحوار الطبيعي.
ويثير هذا الوضع تساؤلات متزايدة في الأوساط الدبلوماسية الأوروبية والفرنسية حول نوايا الجزائر، خاصة وأن القرارات الأخيرة توصف في باريس بأنها “انفعالية” و”غير محسوبة سياسيًا”، ومن شأنها أن تُفاقم من عزلة الجزائر إقليميًا ودوليًا. كما أن استمرار هذا النهج المتشدد قد ينعكس سلبًا على ملفات التعاون الثنائي الحساسة، لا سيما في مجالات الهجرة، الأمن، ومكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، حيث كانت الجزائر لاعبًا أساسيًا وشريكًا مهمًا لفرنسا.
وفي حين تبدي باريس إلى حد ما رغبة في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، فإن الطرف الجزائري يظهر تمسكًا بمواقف صارمة، بل ويصرّ على تحميل باريس كامل المسؤولية عن التوتر، وسط إغلاق كامل لأي مساعٍ دبلوماسية رسمية لخفض التوتر. هذا ما تُقرأ منه إشارات واضحة على أن الجزائر – سواء بدافع داخلي أو استراتيجي – تعتمد سياسة تصعيد ممنهجة مع فرنسا.
ويعتقد أن الجزائر تسعى عبر هذه القرارات إلى إعادة ضبط قواعد التعامل مع باريس، وربما فرض شكل جديد من الندية في العلاقة، خاصة في ظل تغير التوازنات الجيوسياسية بالمنطقة وتوجه الجزائر نحو توسيع شراكاتها خارج النطاق الأوروبي. لكن بالمقابل، قد تترتب على هذه السياسة نتائج عكسية، أبرزها انكماش دور الجزائر في الساحة الإقليمية وفقدانها لهامش المناورة مع شركائها التقليديين.
وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن الأزمة بين الجزائر وفرنسا ستعرف انفراجًا قريبًا، في ظل استمرار الاتهامات المتبادلة واتساع رقعة الخلاف. والأخطر أن هذه الأزمة لا تتعلق فقط بتوتر دبلوماسي عابر، بل تمس بنية العلاقة الثنائية التاريخية المعقدة، التي شهدت على مر العقود مراحل من المد والجزر، لكنها لم تبلغ مستوى الانسداد الكامل كما هو حاصل اليوم.
وإذا استمرت الجزائر في هذا النهج، فإنها قد تجد نفسها معزولة بشكل أكبر، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الانفتاح والتعاون لمواجهة تحديات إقليمية كبرى. أما بالنسبة لفرنسا، فإن إعادة تقييم علاقتها بالجزائر باتت مسألة وقت، خاصة مع تصاعد الضغوط السياسية الداخلية التي تطالب بوضع حد لما يُنظر إليه كتعامل غير متوازن مع حكومة تزداد تصلبًا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى