سياسة

الثلاثي الإقليمي ومهددات الاستقرار في الشرق الأوسط


لايزال العالم العربي يواجَه بتحديات ومخاطر الأطراف الإقليمية العابثة بأمن الإقليم، ومخططاتها للتدخل في شؤون العالم العربي، وهو ما برز طوال الفترة الماضية بصورة خطيرة، فما زال الجانب التركي ممعنا في التدخل في الشأن العربي من سوريا إلى العراق إلى ليبيا، وهو ما اتضح مؤخرا من خلال إرساله لعناصره من المرتزقة، ومن المقاتلين الأجانب بهدف تغيير المعادلة السياسية والاستراتيجية الراهنة وبناء نقطة ارتكاز في ليبيا، ومنها إلى منطقة شرق المتوسط حيث الصراعات الممتدة حول مصادر النفط والغاز، وسعي كل طرف لتحقيق أهدافه من خلال إبرامه لاتفاقيات ترسيم حدود مثلما جرى بين اليونان وقبرص، وبين إيطاليا واليونان مؤخرا، وسيمتد إلى الأطراف الأخرى، ومنها السلطة الفلسطينية وتركيا، وبالتالي فإن تركيا تسعى بالفعل للتدخل ليس في ليبيا وحدها، وإنما العمل مجددا على التدخل في المنطقة المغاربية وصولا إلى جنوب الساحل والصحراء إضافة للاستمرار في الشمال السوري لتأمين حضورها في التطورات الكردية مع كل من العراق وإيران.

وهو ما يبرر – وفقا للمنطق التركي- استمرار العمل العسكري وعسكرة السياسة الخارجية لتحقيق أهدافها والاستمرار في التصعيد خارجيا للتغطية على مساحات الفشل الداخلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية بعيدا عن التأكيد النظري بقوة الاقتصاد التركي، ومكانتها في الناتو وغيرها من المعطيات الاستراتيجية والسياسية التي تتغير مؤخرا .هذا التدخل التركي مستمر في العالم العربي، وسيكون له تبعات خطيرة على الأمن القومي العربي في المدى المتوسط، والذي يجب أن يواجه باستراتيجية عربية واضحة، وفي ظل إعادة ترتيب الحسابات العربية في القضايا محل التداخل المشترك مع تركيا، ومنها الملفان السوري والليبي .

أما الخطر الإيراني باعتباره أيضا طرفا إقليميا يسعى لتقويض أركان النظام الإقليمي العربي، والعمل على بناء نموذج إيراني للمنطقة، وهو ما يدفعه إلى الاستمرار في تهديد الأمن القومي العربي بممارساته التوسعية وافتخاره بأنه متواجد في عدد من العواصم العربية، وأنه يواصل ضرب الاستقرار السياسي والاستراتيجي في الخليج العربي، وخارجه مع توظيف أذرعه في اليمن والعراق وسوريا وقطاع غزة للعمل لصالحه، بل والتحرك من منطلقات إيرانية لتحقيق ما هو مخطط له، وقد اتضح ذلك جليا في تحركاته غير المشروعة في الداخل العربي، وتهديده الملاحة للدولية، والممرات العربية، وتعريض المصالح العربية للخطر في المياه الإقليمية.

مما دفع الولايات المتحدة للتدخل، والعمل على بناء التحالف الدولي في إطار المواجهات المتوقعة مع إيران التي ما تزال في حالة مناكفة للسياسة الأمريكية، حيث تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة لتقرر وجهتها السياسية والاستراتيجية في ظل فشل تحركات دول “الترويكا” وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، في تحريك الملف النووي سواء بالعودة للاتفاق والالتزام ببنوده، أو العمل على بناء اتفاق جديد خاصة وأن الولايات المتحدة ما تزال تبحث عن فرص التفاوض مع إيران، والتي ستظل هاجسا عربيا حقيقيا ساعيا لهز استقرار المنطقة العربية، والسعي للتدخل غير المشروع في نطاقه، وهو ما يتطلب مزيدا من التنسيق العربي العربي لمواجهة التمدد الإيراني، ومحاصرته وتهميش مجالات تحركه عبر آليات عربية بالأساس، ومن خلال ضوابط إقليمية ودولية متعددة .

أما الخطر الإقليمي الثالث فهو يتمثل في الجانب الإسرائيلي الذي ما زال يسعى لفرض استراتيجياته على الإقليم سواء بالاستمرار في قضم الأراضي العربية، وتنفيذ مخطط ضم الأراضي الفلسطينية والاغوار ورفض الارتكان لأي طرح عربي حقيقي ممثلا في المبادرة العربية، والتي – ما تزال برغم كل التحولات في الإقليم – مشروعا صالحا للتطبيق إن خلصت النوايا الإسرائيلية خاصة وأنه لا يمكن أن يتحقق السلام الاقتصادي مقابل السلام السياسي، كما تخطط إسرائيل، وتسعى وبرغم النصائح المباشرة التي أطلقها مسؤولون عرب حذروا إسرائيل مؤخرا من تبعات الحلول الانفرادية، أو ضم الأراضي على اعتبار أن هذه الإجراءات ستؤدي لتداعيات سلبية حقيقية على ما تم من مجالات للتواصل والتنسيق في إشارة للتطورات التي جرت في العالم العربي.

وسمحت بمشاركة إسرائيل في بعض اللقاءات الاقتصادية والاستثمارية، كدليل على نهج عربي جديد وكحافز حقيقي لإمكانية التوافق في مواجهة بعض الأزمات المشتركة، ومنها على سبيل المثال أزمة كورونا والتهديدات والمخاطر الإقليمية المشتركة، وبالتالي فإن ما تقدمه الدول العربية يأتي في سياق التطورات الحادثة في الإقليم، وليس “شيكا” على بياض كما تتوهم إسرائيل خاصة وأنها تدرك أنه بدون حل حقيقي للقضية الفلسطينية لن يتم استيعابها في المنطقة، وستبقى طرفا معزولا حتى ولو شاركت في لقاءات أو اتصالات مع الجانب العربي .

إن التهديدات الإيرانية لا تقل عن أية تهديدات إسرائيلية أو تركية سواء في مخططها أو مشروعها أو ممارساتها الراهنة والمخطط لها مما يدعونا عربيا لاستشراف مساحات الخطر المتوقع، والتي يمكن أن تطرح مع استمرار انخراط هذه القوى، ومساسها بأمن المنطقة بأكملها، وتتطلب مراجعة حقيقية لطبيعة هذه العلاقات مع هذه القوى، وتبني رؤية أكثر واقعية وصرامة خاصة وأن هذه القوى الإقليمية لن تتراجع إلا مع إدراكها بوجود أطراف عربية قادرة على التصدي والحسم والمواجهة في الوقت المناسب .

إن الأطراف الإقليمية الثلاث تركيا وإيران وإسرائيل عليها أن تدرك جيدا أن الدول العربية ليست في موقف رد الفعل، وأنها تملك خيارات حقيقية في التعامل ليس على مستوى الإقليم فحسب بل وعلى مستوى الدول الكبرى في إطار انفتاح عربي على تنويع تحالفاتها الدولية، وعدم التركيز فقط على الشريك الأمريكي الذي لا يبحث إلا عن مصالحه الاقتصادية، وتحقيق مكاسبه السياسية من خلال دور محدد، وهو ما تدركه الدول العربية جيدا، وتطلب في مراحل محددة التعامل معه واستشراف حدوده، خاصة وأن العالم العربي، ودوله المركزية قادرة على التعامل مع حجم المتغيرات الإقليمية، وممارسات أطرافها الثلاث.

وكذلك استيعاب الحركة الدولية سواء من قبل الولايات المتحدة، أو روسيا، وهو ما يتطلب بالفعل مراجعة حقيقية لما يجري من حسابات عربية دولية، وإعادة ترسيم حدود المصالح العربية مع القوى الدولية في ظل عالم يعاد تغيير أركانه وحساباته، وفي ظل خيارات متعددة وليست محدودة، كما يتوهم البعض، فالدول العربية تملك أوراقا حقيقية للتعامل لو أحسن استثمارها سيكون لها نتائج إيجابية، وهو ما يجب الانتباه إليه مع أية تطورات مستقبلية في الإقليم بأكمله .

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى