سياسة

التقارب التركي العراقي: ضرورة أمنية واقتصادية في مواجهة التحديات الإقليمية


 يرتبط العراق مع تركيا بالعديد من الملفات التي تمثل مصلحة مشتركة بالنسبة للطرفين، تجعل الخطوات والتفاهمات التي توصل إليها الطرفان مؤخرا أمرا طبيعيا وضرورة لكلا البلدين بعد سنوات من الخلافات حول موارد الماء والنفط ووجود حزب العمال الكردستاني، حيث وجدا نقاط التقاء اقتصادية وأمنية يمكن البناء عليها، لكنها تواجه جملة من التحديات وسط المنافسة الإقليمية.

واعتبر تقرير لموقع “نشرة أوراسيا” الأوروبي أن اجتماع العراق وتركيا وتطوير مشاريعهما المشتركة وتقاسم مواردهما وقدراتهما أمر “أكثر من طبيعي”، لكنه أشار إلى أن المصالح التجارية بين البلدين لا يمكن التقدم بها من دون مراعاة الأبعاد الأمنية في جغرافية الشرق الأوسط الحافلة بالحروب والصراعات والتطرف.

وذكر أن العراق يعتبر خامس أغنى دولة في العالم من حيث الموارد النفطية حيث لديه نحو 10 بالمئة من الاحتياطيات العالمية، ونحو 5 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، ما يجعله لاعباً محورياً في سوق الطاقة العالمية، إلى جانب امتلاكه 2 بالمئة من احتياطيات الغاز في العالم.

وبرغم ذلك، فإن العراق يعتبر أحد أكثر اقتصادات العالم اعتماداً على النفط، حيث تشكل عائداته 85 بالمئة من ميزانية الدولة، وما يقرب من نصف إنتاجه المحلي الإجمالي، كما أن العراق برغم كل ثروته النفطية هذه، إلا أنه يكافح من أجل خلق فرص عمل لسكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة، ونحو 60 بالمئة منهم تحت سن الـ25.

احتمال أن يؤدي مشروع “طريق التنمية” إلى إضعاف سياسة إيران في الشرق الأوسط ونفوذها الإقليمي بشكل كبير، إلى جانب التأثير السلبي على التجارة مع دول الخليج، يزيد من تعقيدات الوضع.

وفي حين أن تركيا لا تتمتع بنفس حظ جارها الجنوبي الشرقي فيما يتعلق بموارد الطاقة، فإن تركيا ظلت بين أكبر 20 اقتصاداً في العالم، بعدد سكان يصل إلى 85 مليون نسمة، لكن مواردها المحدودة في الطاقة، تمثل عقبة رئيسية أمام استمرار نموها اقتصادياً.

ولهذا “لا يمكن أن يكون هناك شيء أكثر طبيعية لهذين البلدين، اللذين عاشا معاً تحت الحكم العثماني منذ منتصف القرن السابع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانا جارين منذ ما يقرب من 100 عام، من أن يجتمعا ويطورا مشاريع مشتركة تسمح لهم بتقاسم مواردهما وقدراتهما”.

إلا أن التقرير اعتبر أنه من المستحيل في ظل جغرافية الشرق الأوسط، إنجاز المشاريع التجارية دون مراعاة للبعد الأمني، مضيفاً أن التطورات الأخيرة بين العراق وتركيا تشير أيضاً إلى وجود تفاهمات يتم فيها العمل على كلا البعدين معا.

وعقدت مباحثات في أنقرة الأسبوع الماضي ترأسها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وتضمنت الأبعاد الأمنية تم التوصل خلالها إلى “مذكرة التفاهم حول التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب”، وهي مذكرة وصفت بـ”التاريخية” وتتضمن إقامة مراكز أمنية مشتركة في الأراضي العراقية وبذل جهود لمكافحة الإرهاب، خصوصاً ضد حزب العمال الكردستاني.

وبينما تتواصل المحادثات المتعلقة بالأمن، فإنه يتم أيضاً العمل على مشروع “طريق التنمية” الذي يستهدف ربط ميناء الفاو، أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ العراق، بتركيا عبر طريق سريع وسكك حديدية، ونقل البضائع من دول الخليج وآسيا إلى أوروبا، حيث سيشمل المشروع طريقاً سريعاً بطول 1130 كيلومتراً وخط سكة حديد بطول 1200 كيلومتر.

ومن المتوقع أن يقلل المشروع من الوقت الذي يتطلبه نقل البضائع بين ميناء شنغهاي الصيني وميناء روتردام الهولندي من 33 يوماً إلى 15 يوماً من خلال خلق طريق بديل لقناة السويس.

وقد حقق المشروع تقدماً من خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى بغداد في نيسان/أبريل الماضي، حيث جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بين العراق وتركيا وقطر والإمارات.

وترى الحكومة العراقية أنه إلى جانب نقل النفط والغاز، فإن هذا الطريق سوف يقلل بشكل كبير من كلفة التبادل التجاري بين جنوب شرق آسيا، وخاصة الصين، وأوروبا، مما يقود إلى خلق من الفرص الاقتصادية.

كما تعتقد بغداد بأن هذا المشروع يمكن أن يحل أيضاً أوجه الضعف في البنية التحتية في العراق، لذلك تحاول توسيع تعاونها مع تركيا، مضيفاً أن تدشين خط نقل الكهرباء بين العراق وتركيا في تموز/ يوليو الماضي يمثل شهادة على هذه الشراكة المتنامية.

ويعكس هذا الخط الجديد الديناميكيات الجيوسياسية المتحولة في المنطقة، حيث أن بغداد تتجه أكثر نحو تركيا بينما تحاول تقليل اعتمادها على الكهرباء الإيرانية.

وقال التقرير إنه بالإمكان تفهم قرار بغداد بإدراج حزب العمال الكردستاني كمنظمة محظورة بناء على طلب تركيا وحظر أنشطة ثلاثة أحزاب مرتبطة بهذا الحزب، في هذا السياق نفسه، مضيفاً أنه يبدو أن حكومة بغداد تقبلت أيضاً أنه من أجل إنجاز هذا المشروع، فإنه يتحتم تطهير شمال العراق من حزب العمال الكردستاني.

ومع قرار إلغاء التأشيرات للمواطنين العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً وأكثر من 50 عاماً، يمكن القول ربما إن عهداً جديداً قد بدأ بين العراق وتركيا.

لكن لا تزال العديد من التحديات تواجه هذا الربيع، بعد سنوات من الخلافات حول موارد الماء، والنفط، ووجود حزب العمال الكردستاني، حيث يمكن حتى لأكثر المشاريع طموحاً أن تنهار بكبسة زر واحدة.

ويواجه مشروع “طريق التنمية” منافسة حادة من قبل العديد من المبادرات الجيوسياسية والجيواقتصادية الواسعة، من بينها “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، و”الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ” المدعوم من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى خطط إيران لتحويل موانئها إلى نقاط مركزية للتجارة بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

ومن المستبعد أن يقف هؤلاء المنافسون جانبا لترك مشروع طريق التنمية ينجح دون اعتراضه.

وفي حين لا يحتل العراق مكاناً أساسياً في خطط الطرق الصينية حيث أن الطريق الذي تقترحه بكين يمر عبر آسيا الوسطى وتركيا، وليس العراق، فإن أولوية أنقرة هي أن تكون ممراً رئيسياً مباشراً بين الصين وأوروبا، ولهذا، فإن المرجح هو أن تعتبر تركيا أن “طريق التنمية” يشكل فرصة لتعزيز التجارة مع الخليج والشرق الأوسط بدلاً من آسيا، ومن المحتمل أن تواجه اختلافاً في الهدف مع العراق في هذا المجال.

كما أن احتمال أن يؤدي مشروع “طريق التنمية” إلى إضعاف سياسة إيران في الشرق الأوسط ونفوذها الإقليمي بشكل كبير، إلى جانب التأثير السلبي على التجارة مع دول الخليج، يزيد من تعقيدات الوضع.

وختم التقرير بالقول إن فكرة تطوير روابط اقتصادية وتجارية جديدة بين الدول وحتى القارات، اكتسبت دفعاً كبيراً في السنوات الماضية، حيث أن فكرة التعايش بسلام في عالم مترابط بالطرق تمثل فكرة شديدة الجاذبية، إلا أنه يجب ألا ننسى أنه في ظل الشرق الأوسط، حيث الأعمال العدائية والتوترات لا تنتهي أبداً، فإن مثل هذه المشاريع تثير إمكانية تأجيج المنافسة والصراعات والكشف عن التوترات الخفية، بدلاً من تعزيز رفاهية المجتمعات.

 

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى