سياسة

التصالح مع التاريخ أو الخروج من الجغرافيا


تبلورت في السنوات القليلة الماضية خريطة التحالفات الإقليمية للسنوات القادمة؛ الرباعية العربية “مصر السعوديية الإمارات العربية و البحرين” في مقابل الرباعية الإسلاموية “تركيا و قطر و إيران و جماعة الإخوان”. بمعني أخر “الإسلام غير الإسلاموي” في مقابل “الإسلاموية بشقيها السني و الشيعي”، الدولة الوطنية في مقابل الفكر الميلشياوي الجماعاتي العابر لحدود الدولة الوطنية، البناء مقابل الهدم، الاستقلال مقابل التبعية، الدول المتصالحة مع التاريخ و الحاضر والدول التي تستدعي التاريخ لفرض الهيمنة والتمدد و المتخاصمة مع واقعها. و سوف يسجل التاريخ أن ما قامت به الرباعية الإسلاموية أكثر تدميرا للمجتمعات و للدول العربية من المغول والصليبيين و الاستعمار الغربي الحديث. أمام مخاصمة التاريخ والواقع تلك و نتائجها لجئت الرباعية العربية للجغرافيا من أجل الدفاع عن دولها ومواطنيها.

 فالدول الأربع يجمعهم أيضا أنهم من الدول النادرة التي غيرت في الجغرافيا. فغيرت مصر في الجغرافيا بشقها قناة السويس نهايات القرن ١٩، و السعودية و البحرين باقامة جسر الملك فهد البحري الذي يربط بينهما منذ عام 1986، والإمارات العربية بأكبر جزر اصطناعيّة في العالم “جزر النخيل”في أوائل القرن العشرين. وماتزال دول الرباعية العربية تغير في جغرافيا العالم و لكن بأدوات وأشكال أخرى. فمصر تغير الجغرافيا مرة أخرى بشرق متوسط جديد دون تركيا في بدايات القرن ٢١، فيوم الثلاثاء الموافق 22 سبتمبر 2020 وقعت ٧ دول ليس من بينها تركيا على ميثاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة. كما أصبحت أنقرة اليوم أكثر عزلةً في الشرق الأوسط من أي وقت مضى بعدائها للرباعية العربية. والدول الأربع قاطعت قطر فعزلتها تماما عن محيطها الجغرافي الذي عاني منها الأمرين من مؤمرات و دعم مباشر وغير مباشر لجماعات إرهابية. الدول الأربع عزلت إيران أكثرمن أي وقت مضي عن محيطها العربي، بعد أن أعطي لها أوباما قبلة الحياة قبل نهاية ولايته باتفاقه النووي معها و محاولة إعادة دمجها في المجتمع الدولي.

شروط عودة تركيا وإيران و قطر لمحيطهم الجغرافي هي أن تحترم علاقات حسن الجوار والقوانين الدولية المنظمة للعلاقات الدولية، أي أن تتصالح مع التاريخ. فعلى كلا من تركيا و إيران الانسحاب من كل الأراضي العربية التي تحتلها كلا منهما أو يتواجد فيها قوي عسكرية لهما “سوريا والعراق و الإمارات وليبيا واليمن ولبنان وقطر والصومال”. و على كلا من قطر و تركيا و إيران رفع يدها عن دعم الميليشيات و الجماعات من ذي الولاءات غير الوطنية، الإقرار باحترام حدود الدولة الوطنية العربية و عدم تصدير ودعم الأيديولوجيات التي لا تحترم مفهوم الدولة الوطنية المواطنية.

والخروج من الجغرافيا له أشكال عدة منها التفكك واالتقسيم ومنها بتر التمددات الجغرافية ومنها العزل عن المحيط الجغرافي. إلي الأن تكتفي الرباعية العربية بالعزل عن المحيط الجغرافي و لكنها قد تجد نفسها مجبرة للذهاب للمساعدة في بتر التمددات التركية في الجغرافيا حتي غير العربية منها. فالنموذج الذي يحلم أردوغان بتطبيقه في سوريا و ليبيا هو النموذج الذي حققته تركيا في قبرص الشمالية منذ عام ١٩٧٥؛ فتدير جمهورية شمال قبرص علاقاتها الخارجية بوساطة تركيا و كذلك يرتبط اقتصاد الجمهورية بالاقتصاد التركي بشكل كامل. من يريد هزيمة أردوغان ربما عليه بالبدء بكسرهذا النموذج التركي من التدخلات المستقر في الذهنية التركية التاريخية.

خلاصة الأمر، الرد على الاستدعاء المغلوط للتاريخ المتخاصم للواقع ونتائجه بالاخراج من الجغرافيا هوالحل الناجع، فمن أخرج من الجغرافيا أخرج من التاريخ.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى