التأسيس الثالث أو التأسيس الجديد للإخوان ومحاولات فاشلة لإعادة إحياء التنظيم


تنظيم الإخوان الإرهابي يفشل في الخروج من أزمته التي يمر بها منذ أكثر من 6 سنوات، بعد أن لفظه الشعب المصري، وأصبحت بذلك الخيارات التاريخية التي كان يلجأ إليها من أجل البقاء وإحياء تنظيم الإرهاب مستحيلة.

وقد كان آخر تلك الخيارات ما يسمى بالتأسيس الثالث أو التأسيس الجديد، والذي كان بمثابة ممر آمن للجماعة في أوقات الأزمات وسنوات المحنة الكبرى، غير أنه في هذه المرة فقد فشل هذا الخيار بسبب حالة التناحر والانقسام داخل أبناء التنظيم، مع فشل الجناح المسلح في إعادة التنظيم للمشهد، مستخدماً سلاح الإرهاب.

وبالنسبة للجماعة، فمفهوم التأسيس كما يعرفه بعض الباحثين، هو بلورة كاملة للمشروع الفكري والسياسي والفقهي والشرعي للتنظيم خلال الفترة المقبلة لضمان استمراره في العمل السياسي بتغيير جذري في الأيدولوجيا والأهداف.

وقد ظل التأسيس الجديد هو المخرج المثالي للخروج من الأزمات الطاحنة التي مرت بها جماعة الإخوان الإرهابية على مدار عقود، والتي قد كان أبرزها أزمة اغتيال المؤسس الأول حسن البنا، وحل التنظيم للمرة الأولى عام 1954.

ويرى مراقبون بأنه كلما اشتدت الأزمة واحتدم الصراع داخل الإخوان، يخرج جيل من التنظيم ليعلن خريطة جديدة تتضمن تغيرات أيدويولوجية تتوافق وطبيعة المرحلة، وتسمح ببقاء التنظيم واستمرار إرهابه.

عملية مستحيلة

 

إن تأسيس الإخوان يتم حسب عاملين محوريين، إذ يمثل كل منها أزمة داخلية بالتنظيم في الوقت الحالي؛ ويتعلق الأول بشرعية القيادة، والثاني هو الاتفاق حول الفكر والأيدولوجيا، وكذلك الأهداف، وفي ظل غيابهما أصبحت إمكانية التأسيس الجديد أمراً أقرب منه إلى المستحيل.

أما جهود الإخوان، فقد تلخصت خلال السنوات الست الماضية في حسم الصراع المعقد بين شطري التنظيم، وهما: الكماليون من الشباب الراغبين في تحويل المسار كلياً إلى العمل المسلح، والشيوخ الراغبون في الإبقاء على مركزية القرار داخل التنظيم وحفظ سلطتهم حتى إن كانت لا تحظى بتأييد قواعدهم.

ومن جهته، فقد يعتقد الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد المنشق عن تنظيم الإخوان، بأنه من الاستحالة تحقيق التأسيس الثالث للجماعة لعدة أسباب؛ منها عدم توافر رغبة حقيقية في تغيير الأيدولوجيا بما يتوافق مع المشروع الوطني وتقبل الآخر، وأكد بأن الجماعة أحرقت طريق العودة بممارسة الإرهاب وحمل السلاح بوجه المصريين.

وفي تصريح للعين الإخبارية، فقد قال حبيب بأن الصراع الذي يبدو في ظاهره خلافاً حول الأيدولوجيا، غير أنه في حقيقته تناحر على السلطة والتمويل، فمن يملك السلطة الشرعية داخل الجماعة سيحظى بمليارات التمويلات، التي تقدمها دول وحكومات بهدف تحقيق مخططات محددة، لن ينجح في تحقيقها إلا من سيتمكن من حسم زمام الأمور لصالحه.

ومنذ التأسيس الثاني، فقد تبنت الجماعة خطاباً إصلاحياً تلاشى تماماً إبان ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، والتي أسقطت عباءة الإصلاح المزيفة للتنظيم، ليظهر وجهاً آخر للعبة السياسية، ألا وهو العمل المسلح.

وكانت مصر قد شهدت خلال السنوات الخمس الماضية موجة من أشرس موجات الإرهاب الإخواني، وجهت ضد الأشخاص والمؤسسات، وطالت يد الغدر المدنيين ورجال الأمن والقضاء، وحتى الأطفال ومرضى السرطان الذين لم يسلموا من نيران التنظيم.

في حين يعتقد البعض على خلاف الحقيقة بأن هناك انشقاقاً داخل الصف الإخواني، وهذا غير صحيح، وفق ما يراه حبيب، فالأمر مرتبط بتنظيم له جناحان، أحدهما عسكري تمثله جبهة محمد كمال حركة حسم وآخر تنظيمي سياسي دعوي يمثله الإرهابي الهارب محمود عزت (القائم بأعمال المرشد) الذي يمتلك أدوات التحكم في حركة التنظيم من حيث التمويل والاتصالات الخارجية بالدول وأجهزة المخابرات.

شرعنة القتل

 

ومن جهته، فقد أعلن في 2014 القيادي الإخواني محمد كمال، مؤسس اللجان النوعية في تنظيم الإخوان، تأسيس وشرعنة العمل المسلح داخل التنظيم، مما أثار حالة كبيرة من الجدل داخل وخارج الجماعة، والتي لم تعترف فقط بممارسة العنف، بل اضطرت أحياناً للتبرؤ من قيادتها ظاهرياً لإبعاد اتهامات العمل المسلح عنها.

إن تأسيس جبهة الكماليون كان بمثابة زلزال مدمر داخل التنظيم، حيث اعتبره الباحثون والمراقبون بل أعضاء بالتنظيم بمثابة التأسيس الثالث للإخوان، لاسيما بعد انضمام عشرات من شباب الجماعة للجبهة، وإعلان وثيقة العنف أو ما عرف باسم فقه المقاومة الشعبية.

وقد وضع هذه الوثيقة محمد كمال بهدف إيجاد إطار شرعي لقتل المعارضين للتنظيم وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الدولة المصرية، بهدف إعادة الإخوان للحكم مجدداً، مما جعل الأمر يبدو بأن تأسيساً جديداً مكتمل الأركان قد حدث داخل الإخوان.

وقد اعتبرت وثيقة كمال أيضاً بأن معارضي التنظيم كفار، وحرضت على استهداف الكنائس، نظرا لأنها قامت بالحشد الطائفي لإسقاط الرئيس المعزول محمد مرسي، وحاولت التأكيد على أن مفهوم المقاومة بالقتل واجب شرعي.

وقد انتشرت أنداك فكرة التأسيس المسلح بين شباب الجماعة، وأعلنوا تأسيس عدد من الحركات المسلحة، أبرزها: حسم، ولواء الثورة، والمقاومة الشعبية وغيرها.

وقد نجح الأمن المصري، في أكتوبر عام 2016 في قتل محمد كمال، بعد اشتباكات وتبادل إطلاق النار، غير أن موته لم يكن السبب الوحيد في فشل ما سمى بالتأسيس الثالث. لكن أزمة شرعية القيادة والاختلاف الأيدولوجي ظلا حاضرين بقوة، لكن مع نجاح الضربات الأمنية المصرية ضد عناصر التنظيم المسلحين، تهاوت جبهة محمد كمال وخفت نجمها وتلاشى تأثيرها، حتى إن الحركات المسلحة التي ظهرت في 2014 لم يعد لها وجود يُذكر.

محاولات فاشلة

 

وقد حاول عدد من شباب التنظيم، بعد أن فشل مشروع محمد كمال، تقديم مقترحات لم تخرج للنور، نظرا لتعنت القيادة التاريخية للإخوان حول فكرة التأسيس الثالث. وقد كان أبرز تلك المقترحات ما تقدم به مجموعة من شباب الإخوان في محافظتي الفيوم والمنيا بصعيد مصر، تتناول البدء فيما يسمى بالتأسيس الثالث للإخوان، على غرار التأسيس الثاني في السبعينيات.

فيما قد اعتمد مشروع التأسيس على ثلاثة محاور أساسية، هي: المشروع السياسي للتنظيم، والقائم على مقومات جديدة، على رأسها ضرورة دعم وصول المرأة والقبطي إلى سدة الحكم وشتى المناصب في البلاد، والاستعانة بفتاوى راشد الغنوشي، ويوسف القرضاوي، وسليم العوا، ومحمد عمارة، وفهمي هويدي، والذين أقروا في هذا الصدد بعدم وجود أي موانع فقهية لوصول الأقباط إلى الحكم.

بينما شمل المحور الثاني ملامح المشروع الفقهي للتنظيم، بنسف جميع الفتاوى والتي قد اعتمد عليها الإخوان في التأصيل لممارستهم السياسية، بداية من الاستدلالات القرآنية وإسقاطها على الواقع السياسي، واتهام المعارضة بالفسوق والكفر والإلحاد، بمجرد توجيه النقد إلى الحاكم أو الوزير أو العضو الإخواني.

في حين قد تضمن المحور الثالث المشروع الفكري للتنظيم من خلال تغيير الهيكل الإداري للتنظيم بالكامل، واعتبار الجماعة مجرد مدرسة فكرية جامعة شاملة أكثر من كونها مجرد تنظيم يقيد حرية الانضمام إليه بشروط بالية لا سندا شرعياً أو فقهياً لها.

أما المحور الثالث فقد تضمن أيضاً الإجابة عن تساؤلات شائكة راجت منذ فترة عن معنى الأمة والدولة والقطرية والأممية والخلافة الإسلامية، مع التأكيد على أن مصطلح ما يسمى بالخلافة الإسلامية قد أصبح غير صالح للاستخدام حالياً، وأنه كان اجتهاداً سياسياً وليس نصاً دينياً يجب على المسلمين تنفيذه من باب الفرضية والإلزام.

انهيار التنظيم الحديدي

 

بالرغم من الأزمات الطاحنة التي مر بها قبل 2014، فقد حافظ تنظيم الإخوان على تماسكه لأنه نجح في الحفاظ على فكرة التنظيم الهرمي المتماسك جداً، شديد المركزية والإحكام، وفق محللين، غير أن هذا التنظيم الذي سماه الباحثين التنظيم الحديدي قد انهار بشكل تدريجي بعد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر.

ومن جانبه، يرجع المفكر الإسلامي ثروت الخرباوي أسباب ذلك إلى انهيار الثقة بين عناصر التنظيم وقياداته، وهذا ما ظهر بشكل واضح في أزمة التمويل التي مر بها التنظيم على مدار سنوات.

وأشار أيضا الخرباوي بأن أزمة التمويل كشفت للمرة الأولى عن حجم سرقات واختلاسات أبطالها قيادات كانت تسمى روحانية ولها قدر كبير من التقديس والثقة، أبرزهم محمود حسين، الأمين العام للتنظيم، الذي تم اتهامه بسرقة ملايين من صندوق الجماعة وتهريبها لأولاده واختلاس أموال كانت تجمع لأسر المحبوسين في مصر.

ويعتقد الخرباوي بأن تفكك التنظيم الهرمي المحكم هو أخطر ما يواجه جماعة الإخوان، وأشار أيضا إلى أنه: عائق محوري أمام إمكانية التأسيس الثالث للتنظيم، بل يمثل عائقاً أمام استمرارية الجماعة أصلًا. وفي تصريح للعين الإخبارية يقول الخرباوي : جماعة الإخوان الإرهابية فقدت صمام أمانها بعد انهيار مؤسسية التنظيم وفقد الثقة في قياداته.

وأضاف أيضا: حاول القائمون على الأمور من إخوان مصر وأقرانهم بالتنظيم الدولي استعادة السيطرة على الأمور بكل الطرق لكنهم فشلوا، وبالتالي أصبحت الجماعة مختنقة بين قيادات غير معترف بشرعيتها وشباب لا يملكون سلطة أو شرعية، والطرفان منبوذان من المجتمع المصري.

وتابع القول بأن: التنظيم الدولي رغم محاولات قطر وتركيا المستميتة لتقويته يعاني حالة انهيار غير مسبوقة، لذلك أرى أن الجماعة لن تصمد أمام أزمتها وعاجلاً ستعلن حل نفسها في مصر وربما تتبعها عدة دول، وليس أمامها خيار بديل.

تاريخ التأسيسين الأول والثاني

 

وقد أسس حسن البنا، في عام 1928 جمعية الإخوان المسلمين، وزعم بأنها فكرة تستمد استراتيجيتها وأهدافها وبلورتها من مجموعة أفكار متشابهة يضعها المشاركون في التأسيس.

وفي عام 1949 وبعد اغتيال المرشد الأول للجماعة (البنا)، تجلت أزمة الفكرة داخل التنظيم بشكل كبير وسقطت فكرة التماسك، إلا أن المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي نجح وقتها في تدارك الأزمة واستمرت الجمعية دعوية من الظاهر، ولكنها تعمل بكل قوة على الوصول للحكم.

وقد حدثت في مصر بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتوجه الجماعة للعمل المسلح علناً بمجموعة عمليات واغتيالات طالت شخصيات عامة ومسؤولين مصريين، سقطت أسهم الجماعة شعبياً، وحاول الأمن السيطرة على جرائمها.

وحسب الكاتب والباحث المصري بشؤون الجماعات الإسلامية طارق أبو السعد، فقد ظهر التأسيس الثاني للإخوان في مطلع السبعينيات، حيث كان بطل هذه المرحلة هو عمر التلمساني، مرشد الجماعة الثالث.

وقال أيضا أبو السعد بأن التلمساني قد اعتمد في ذلك على مجموعة ركائز أبرزها الخطاب الجماهيري الشعبي العاطفي، الذي يعبر عن الحلم الإسلامي، فضلاً عن التركيز على شخصية محورية يلتف حولها أبناء التنظيم والحركة الإسلامية ككل، مع إيجاد وعاء تنظيمي ومرتب يضمن تمويلاً جيداً ذا طبيعة رسمية.

وأضاف أيضا أبو السعد بأن التلمساني قد عمد إلى إعادة ترتيب وتنظيم الجماعة؛ فكان بحاجة إلى هيكل إداري محكم وواضح، واختار له أن يكون هرمياً يعتمد على القاعدة الإخوانية ويتدرج بها إلى القمة.

Exit mobile version