البرلمان الأوروبي يطالب بحزم بكبح قمعا ممنهجا في الجزائر
دعا أعضاء البرلمان الأوروبي من مختلف التيارات السياسية في رسالة موجهة إلى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية عاجلة وقوية بحق النظام الجزائري بسبب استمراره في انتهاك حقوق الإنسان والتضييق على الحريات وممارسة قمع ممنهج بحق الجمعيات وهيئات المجتمع المدني.
كما طالبوا الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف أكثر حزما في مواجهة هذه الانتهاكات وتذكير النظام الجزائري بمتطلبات الشراكة وأن احترام حقوق الإنسان جزء وشرط لهذه الشراكة، مشددين على ضرورة أن يضطلع التكتل الأوروبي بمسؤوليته والتزامه بحقوق الإنسان ليس في الجزائر فحسب بل في العالم أجمع.
وجاءت هذه الرسالة التي تعكس إجماعا أوروبيا، بينما تؤكد منظمات حقوقية دولية أن موجة القمع وانتهاك حقوق الإنسان تصاعدت بشكل أكبر حتى من الانتهاكات في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وكان الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون الذي تولى السلطة في انتخابات مثيرة للجدل في عام 2019 شهدت مقاطعة واسعة، قد وعد بجزائر جديدة تحترم حقوق الإنسان وتوسع هامش الحريات، لكن ما حدث في غمرة حراك شعبي كان ينادي برحيل منظومة الحكم ورموزها، كان مسارا معاكسا لتلك الوعود.
وسجلت عدة منظمات حقوقية دولية اتساع نطاق القمع والترهيب من خلال اعتقال العشرات من نشطاء الحراك الشعبي ومن إعلاميين وأكاديميين بسبب أراء معارضة لسياسات النظام ضمن موجة تضييق واسعة على الحريات تحت غطاء قانوني لم يسل منها حتى رواد منصات التواصل الاجتماعي وكثير منهم يحاكمون بسبب تغريدة أو تدوينة تنتقد سياسات تبون وحكومته.
وليست هذه المرة الأولى التي ينادي فيها برلمانيون أوروبيون بضرورة اتخاذ إجراءات بحق النظام الجزائري، فقد سبق أ عرضت على البرلمان الأوروبي أكثر من خمس مبادرات في هذا الشأن، لكن دون نتائج تذكر.
ورسالة أعضاء البرلمانيين الأوروبيين المؤرخة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري هي الأحدث في سياق دعوات لتحرك أوروبي حازم للضغط على النظام الجزائري لوضع حد لانتهاكات لم تعد مقبولة من قبل شريك مهم لم يحترم شروط الشراكة والمبادئ المنصوص عليها.
وتعكس الرسالة في توقيتها حالة الضيق من استمرار الجزائر على مسار غير مقبول في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان والحريات، بينما سبق أن انتقد نواب أوروبيون ومنظمات حقوقية غض بعض الدول الأوروبية النظر عن تلك الاتهامات مقدمة حماية مصالحها على كبح تلك الانتهاكات.
وبرزت هذه الحالة خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2021 وفرض الأوروبيين عقوبات على روسيا تشمل خفضا تدريجيا لإمدادات الغاز من موسكو.
وقدمت تلك الدول مصالحها خاصة مع حاجتها لتعزيز إمداداتها من الغاز الجزائري بديلا عن شحنات الغاز الروسي، وتراجعت ضغوطها على الجزائر في ما يتعلق بحقوق الانسان.
إلا أن الرسالة الأخير تعكس حجم الغضب الأوروبي والإدانة قوية للتكتيكات القمعية التي يتبعها النظام الجزائري وتسلط الضوء على القمع المنهجي لحرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
ويشير النص على وجه الدقة إلى حوادث مثل حل أكثر من 20 منظمة لحقوق الإنسان، وإغلاق العديد من وسائل الإعلام المستقلة والاعتقال التعسفي للصحفيين والناشطين السياسيين، مما يدل على انتهاك واضح للحريات المدنية.
وتنضم هذه الرسالة إلى سلسلة من أكثر من خمس مبادرات اتخذها البرلمان الأوروبي هذا العام والتي تشمل مناقشات في اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي وقرار إدانة قوي صدر في مايو/أيار الماضي. كما تعبر عن تنامي القلق الأوروبي بشأن التدهور المستمر لحقوق الإنسان في الجزائر.
واعتبر أعضاء البرلمان الأوروبي أن تنامي القمع في الجزائر بات يثير قلقا بالغا خاصة أن النظام الجزائري تجاهل دعوة كليمان نيالتسوسي مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات للحد من القيود المفروضة على المنظمات المدنية.
وكان المسؤول الأممي قد زار الجزائر في سبتمبر/أيول الماضي لتقييم امتثال الجزائر لحقوق الحرية في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، بما في ذلك الإطار القانوني المتعلق بهذه الحقوق والتحديات والفرص المتاحة لحماية تلك الحقوق.
وركز خلال جولته ولقاءاته بمنظمات جزائرية على قدرة منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والأحزاب السياسية على العمل بحرية، فضلا عن تدابير حماية الحق في التجمع السلمي.
وقال أعضاء البرلمان الأوروبي في رسالتهم لجوزيب بوريل إنه بدلا من تجاوب النظام الجزائري مع توصيات كليمان نيالتسوسي، كثف اعتداءاته على الحقوق الأساسية، معبرين عن إدانة لا لبس فيها لانتهاك الجزائر لمبادئ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وتنص الاتفاقية على أن احترام حقوق الإنسان أمر ضروري.