سياسة

البؤساء الذين يسيطر عليهم الإخوان في فرنسا !


من عام مضى شهدت فيلما للمخرج الفرنسي “لادج لى” يفضح فيه المشروع السري للإخوان في فرنسا، ولأن السينما دائما وأبدا حمالة أوجه عدة، ويمكن لكل مشاهد رؤية العمل الفني من خلال ثقافته وأفكاره هو، إلا أن فيلم البؤساء الفرنسي يقدم رؤية صائبة عن الدور التدميري الذي يقوم به الإخوان المسلمين في فرنسا ومشروعهم السري ومنطلقاته.

فتلك الجماعة تعمل هناك لإنشاء بيئة إسلامية يعيش فيها المسلمون، لكن بشرط التوحد معهم، لذا فإنها تستهدف فئات مسلمة متنوعة من الطلاب والنساء والأطفال، وتنظم الفعاليات، وخصوصا بالجوامع بهدف جعل المسلمين ينحرفون عن مسارهم التطوري القابل للانسجام مع قيم الجمهورية الفرنسية.

وللأسف تنامى تهديدات الجماعات المتطرفة ضد فرنسا، يؤدى إلى ظاهرة “الإرهاب الكامن” التي لا تحتاج إلى تنظيمات ولا تعبئة أيديولوجية، والعمليات الفردية قد تكون هي الأكثر خطورة وهذا ما شهدنه مؤخرا في مقتل المدرس الفرنسي، وطرحه الفيلم بقوة وأظهر تنامى التطرف المتأسلم في فرنسا، وخصوصا بين أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين.

ويظهر الفيلم أن هناك معضلة كبيرة نتيجة صعوبة الاندماج وتقبل المبادئ والقوانين المعتمدة واحترام النموذج الفرنسي، وأن الوجود الإسلامي الحركي الإخواني التنظيمي في فرنسا ربما يعتبر الأخطر على الأمن المجتمعي الفرنسي.

وفى الحقيقة لم أتوقع أن يكون فيلم البؤساء الفرنسي والبعيد تماما قصته عن رواية فيكتور هوجو، بهذا المستوى الفني الراقي، وبعد مشاهدة الفيلم فهمت وجهة نظر المخرج “لادج لى” عندما دعا الرئيسَ الفرنسي لمشاهدة الفيلم، فالعمل وإن كانت أحداثه لا تدور حول عمليات إرهابية بشكل مباشر، ولكنه يوضح الأسباب التي أدت اليها، بل وأنه يشير إلى تفسير أسباب الغضبِ في الضواحي في عام 2005، وأن لا شيءَ تغيّر منذ ذلك الحين.

وفى الواقع أن المخرج الفرنسي “لادج لى” استطاع باقتدار العزف على الغضب الذي يشتعل تحت جلود الفرنسيين من أصل إفريقي وعربي، وخصوصا المسلمين، والذي لا يبدو على السطح الفرنسي الهادئ، فالعالم لا يعرف شيئا عن حياة المهمشين في ضواحي باريس الفقيرة، وبينهم يتواجد المتطرفين المتشددين، ومنهم اللص والمجرم، ومنهم أعين الشرطة والمتعاونون معها، ومع الأسف إن الأجيال الجديدة منهم أشد عنفا وقسوة.

والفيلم ينطلق بنا إلى منطقة تشابك فيها الحكايات والثقافات، ويبرز فيها دور الإخوان المسلمون، بكل ما لهم من سطوة يحاولون السيطرة على هؤلاء المهمشين بأفكارهم المتطرفة التي كانت دوما سببا في الاحتقان بتلك المناطق، بل أن أحدهم يدعم الذي سرق شبل الأسد من السيرك، مدعيا أن الأسد عندما يزأر يذكر اسم الله، وأنه خلق فقط ليعيش في البرية.

وكانت وجهة نظر موفقة للمخرج أن يبدأ الفيلم حيث الاحتفال بحصول فرنسا على كأس العالم، ليؤكد أن الجميع يتوحد في تلك اللحظات، بل إن الفرنسيين من أصول إفريقية وعربية ربما هم الأكثر إعطاء للحفلات روحها، وأنهم يملكون في تلك اللحظات الكثير من الفخر والشعور بالمجد الوطني.

فبطل الفيلم الصبي الأسمر الذي سيتسبب في تصاعد الأحداث في تلك اللحظة التاريخية يلتف بالعلم الفرنسي، ويشارك الجموع الغفيرة فرحتهم قرب قوس النصر في باريس، بعد فوز فرنسا بكأس العالم عام 2018، هذا المشهد ذابت فيه الفئات والطبقات والألوان، وسط السعادة الغامرة بفوز فرنسا بالكأس.

وبإيقاع سريع لا يعرف الملل فجر المخرج قضيته، باستعراض صورة مجسمة وواقعية أبرزتها مشاهد للفقر والإحباط والجماعات غير المتناغمة ورغبة كل جماعة أن تفرض سطوتها على الحي، وكأن الفيلم يقدّم صورة شاملة لمآسي المهمشين اليومية، راصدا تحركاتهم في مناخ شديد التوتر والضغط، ولكن الرائع أنه يدير القضية باحتراف الفنان صاحب الرؤية فهو لا ينتصر لهم تماما، بل يستعرض حياتهم بكل تجاوزاتهم ومزاجيتهم، وخصوصا مع المتطرفين الذين يمارسون نشاطهم ويفرضون أفكارهم بعيدا من منطق الجمهورية.

فنرى المراهقين الفقراء الذين لا تستوعب الدولة طاقتهم فيعبثون في الشوارع والطرقات وأسطح البنايات، وتأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة عليهم، هؤلاء الأشخاص العائدون من “الجماعات الإرهابية” في الشرق الأوسط، ومن منطلق أن الضغط يولد الانفجار تتصاعد أحداث الفيلم.

ولا يحسم المخرج الصراع ويترك النزاع بين الجانبين، ونتيجته مفتوحين للتأويل، وتجئ كلمة النهاية على الشاشة باقتباس رائع من رواية فيكتور هوجو، وكأن المخرج يقول وجهة نظره في أحداث العنف الأخيرة في فرنسا: “لا توجد نبتة سيئة ولا يوجد رجل سيئ ولكن ثمة فقط زارع سيئ”.

نقلا عن مبتدأ

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى