سياسة

الاضطرابات الإقليمية تؤثر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل


 

سلط تقرير صحفي عبري الضوء على العلاقات الإسرائيلية الأردنية في ظل التوترات الإقليمية القائمة من حرب غزة إلى الاضطرابات في سوريا التي تنظر لها تل أبيب وعمان بقلق.

وجاء في تقرير نشره موقع واي نت العبري أنه وبعد ثلاثين عاما من السلام الهش بين إسرائيل والأردن، أثارت مشاهد عدم الاستقرار في سوريا مخاوف داخل الحكومة والمستوى الدفاعي من أن سيناريو مماثل في المملكة الهاشمية قد يمتد إلى إسرائيل، مضيفا أنه لطالما اتسم السلام بين الجارتين بالتوتر والتوازن الصعب بين المصالح السياسية والولاءات المتضاربة.

ولقد أدى انخراط إسرائيل في حرب إقليمية طويلة، بدأت قبل أكثر من عام عندما فاجأت حركة حماس المتمركزة في غزة المناطق في الجنوب بهجوم ضخم، إلى زيادة التحديات التي تواجه هذه العلاقة.

وخلال الحرب، كانت هناك مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمان. كما أرسلت الأردن مساعدات إنسانية إلى غزة خلال هذه الفترة في عدة مناسبات، وهي علامة أخرى على الجهود المستمرة للمناورة بين المشاعر العامة المؤيدة بشدة للفلسطينيين وتحالفها المؤيد للغرب مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

ويقول رون شاتزبيرج، المدير المشارك لمؤسسة التعاون الاقتصادي والخبير في العلاقات الإسرائيلية الأردنية “لطالما اعتُبِر الأردن الطرف الأضعف والأقل استقرارا في المنطقة، ومع ذلك كان الأكثر استقرارا في الوقت نفسه. تكمن قوته في ضعفه، وتُظهِر حكومته انفتاحا معينا على العناصر المتشددة من أجل السماح لها بالتنفيس عن غضبها في حين تبذل جهودا استخباراتية سرية كبيرة لاحتوائها”.

ولم يستبعد التقرير العبري أن تمتد التأثيرات المترتبة على سقوط نظام بشار الأسد على أيدي الحركات الإسلامية المتطرفة في سوريا، إلى الأردن. ومن شأن هذا الحدث أن يخلف تأثيرا دراماتيكيا على إسرائيل. ذلك أن الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به عمان في المنطقة يجعل الجميع يتطلعون إليه.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رؤساء جهاز الخدمة السرية ووحدة الاستخبارات العسكرية زاروا الأردن لمناقشة آخر التطورات الإقليمية وتداعياتها. 

وتتقاسم الأردن وإسرائيل حدودا بطول 480 كيلومترا، وهي الأطول بالنسبة للدولة العبرية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي نصف سكان الأردن من أصل فلسطيني، مما يجعل العلاقات مع إسرائيل قضية خلافية في المملكة الهاشمية. وعلى مدار عقود من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حاولت عمان أن تضع نفسها في موقف الوصي على القضية الفلسطينية.

وفي الأشهر الأخيرة، وقعت عدة هجمات على طول الحدود، بما في ذلك مقتل ثلاثة من موظفي معبر حدودي إسرائيلي برصاص أردني. ووفقا لبيانات هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية، فقد حدثت زيادة في عدد حالات التسلل غير القانوني عبر الحدود مع الأردن في السنوات الأخيرة. السياج على طول الحدود الطويلة غير مكتمل والتضاريس الجبلية أحيانا ولكنها مليئة بالنباتات المتشابكة، تجعل المراقبة صعبة.

وقال الدكتور أوفير وينتر الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب “كانت هناك محاولات عديدة طوال الحرب لتهريب الأسلحة إلى إسرائيل، معظمها من سوريا، عبر الحدود بهدف الوصول إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية من أجل تنفيذ هجمات في إسرائيل”، مضيفا “تحاول إيران تقويض النظام الأردني من أجل جعل الأردن ساحة أخرى في محور المقاومة ضد إسرائيل”.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش يتحرك من أجل تعزيز وجوده على طول الحدود سهلة الاختراق، بما في ذلك تحسين الحاجز هناك وإنشاء لواء جديد مخصص فقط للمنطقة.

كما أن للأردن حدودا مع سوريا والمملكة العربية السعودية والعراق وكل منها معادية لإسرائيل بدرجات متفاوتة.

وأشار المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة إلى أنه في حين “لا نستطيع أن ننكر” وقوع هذه الحوادث، فإن “اتخاذ هذه الخطوات من الجانب الإسرائيلي فقط… يعني أنهم يطبقون مواقف أحادية الجانب على الحكومة الأردنية”.

 إيران تحاول تقويض النظام الأردني من أجل جعل عمان ساحة أخرى في محور المقاومة ضد إسرائيل.

وتابع “من الواضح أن الإسرائيليين اليوم يفكرون بشكل فردي فقط، دعنا نقول، في أمنهم وحول الحاجة إلى رؤية هذه اللحظة التي يحدث فيها ما في الشرق الأوسط، أو في المقدمة، حيث يمكن للناس أن يذهبوا وأنهم بحاجة إلى تأمين أنفسهم والوقوع تحت الخوف من وجود آخر على الطاولة”، مضيفا “هذا يعني للأسف، أن ما قد يفعلونه لا يدل على أن هذا الأمر يحدث في البلد الذي يشتركون معه في معاهدة سلام… بل إنهم يفعلون ذلك من أجل أنفسهم فقط، ويؤمنون أنفسهم دون أن يبالوا كثيرا بمن يحاول إلحاق الأذى بالجانب الآخر”.

وإضافة إلى تعقيدات العلاقة، فإن الأردن يتمتع بالوصاية على موقع مقدس في القدس، تحت السيادة الإسرائيلية المتنازع عليها، وهو ما يسلط الضوء على أهمية العلاقة وحساسيتها. ويطلق عليه اليهود اسم جبل الهيكل ويطلق عليه المسلمون اسم الحرم الشريف، وهو مكان مقدس لكل من اليهود والمسلمين ويقع في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

هناك حدود للزيارات اليهودية بالقرب من الحرم، بما في ذلك حظر الصلاة اليهودية. وقد تم اختبار هذه الحدود مرارا وتكرارا من قبل القوميين اليهود في السنوات الأخيرة وفي العامين الماضيين وخاصة منذ أداء اليمين الدستورية للحكومة الأكثر تطرفا في إسرائيل. وبما أن العناصر القومية المتطرفة تشكل حجر الزاوية في الائتلاف الحالي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد أصبحت العلاقات بين عمان والقدس متوترة بشكل متزايد.

كانت العلاقات بين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني متوترة حتى قبل تولي الحكومة الحالية السلطة. وعلى مر السنين، كانت هناك تقارير عن رفض العاهل الأردني تلقي مكالمات من رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وعلى الرغم من التوترات التي غالبا ما تصاحب العلاقات السيئة، فقد استمرت العلاقات الدبلوماسية والأمنية على مر السنين.

وقال وينتر إن “التوتر الشخصي بين الزعيمين ارتفع خلال الحرب بسبب الصعوبة المتزايدة التي واجهتها الأردن في المناورة بين حاجته الاستراتيجية للحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل والمطالبة العامة بإلغائها”.

وقال السبايلة إنه يعتقد أن “السلام على الجانب الأردني وعلى الأطراف الأخرى هو سلام واجب”، وعند مقارنة المملكة بدول أخرى في المنطقة، أوضح أن “نموذج الإمارات نموذج مختلف ومفهوم مختلف لأنهما لا يشتركان في الحدود.. إنهم لا يمتلكون تراثا معقدا. إنهم فقط من يقررون السلام، لذا فإن الأمر أسهل كثيرا.”

 

لطالما اتسم السلام بين الجارتين بالتوتر والتوازن الصعب بين المصالح السياسية والولاءات المتضاربة
لطالما اتسم السلام بين الجارتين بالتوتر والتوازن الصعب بين المصالح السياسية والولاءات المتضاربة

وأشار وينتر إلى أن “الأردن حساس بشكل خاص تجاه أي تطور على الساحة الفلسطينية بسبب تركيبته الديمغرافية ونفوذ الإخوان المسلمين في المملكة”.

وبحسبه فإن هناك عدة أسباب لتزايد الاحتكاك بين الطرفين: أولا، هناك مخاوف من أن تمتد الحرب في غزة إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية.

فلقد دعت أصوات قومية متطرفة في حكومة نتنياهو إلى إقامة دولة فلسطينية في الأردن، وهذه الخطوة من شأنها أن تسمح لهم بطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية.

ويقول شاتزبيرج “إن أعظم مخاوف المملكة الهاشمية هو الناس في إسرائيل الذين يعتقدون أن الأردن يجب أن يكون دولة فلسطينية. وفي نظر النظام الأردني فإن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية من شأنه أن يضمن بقاء المملكة الأردنية”.

وتابع أن عدم الاستقرار في الضفة الغربية التي تقع على الحدود مع الأردن، يُنظر إليه على أنه تهديد أكبر بكثير لاستقرارها مقارنة بالسيناريوهات المماثلة لما شهدته سوريا المجاورة في وقت سابق من هذا الشهر.

ويستبعد نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف إقامة دولة فلسطينية، وهو الموقف الذي تبناه العديد من الإسرائيليين بشكل متزايد في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل العام الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، يشعر الأردن بالقلق إزاء تآكل الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، لكن هناك أيضا اختلاف في الرأي بين الأردن وإسرائيل بشأن مصير غزة في نهاية الحرب، ففي حين ترفض إسرائيل قبول عودة السلطة الفلسطينية التي تسيطر حاليا على الضفة الغربية، إلى غزة، فإن عمان تنظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها المرشح الأبرز لحكم المنطقة.

ويقول وينتر إنه “لا يوجد تهديد مباشر لاستقرار الأردن، لكن أي عدم استقرار قد يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الإسرائيلي. الأردن وإسرائيل لديهما تعاون أمني وثيق، والأردن يعمل كحاجز بين إسرائيل والتهديدات المحتملة من إيران ووكلائها والعناصر الإسلامية المؤيدة للفلسطينيين. إن أي زعزعة للاستقرار على طول الحدود ستتطلب من إسرائيل نشر المزيد من القوات من أجل حماية الحدود، وهو ما سيشكل عبئًا كبيرا، سواء من حيث دفاعها أو ماليا”.

ويتفق سبايلة مع هذا الرأي، قائلا “من المؤكد أن المشاكل قد تنشأ، فنحن نعاني من وضع اقتصادي صعب. كما أننا نعاني من اليأس ولكنني لا أعتقد أن العناصر التي تؤدي إلى انهيار سوريا بسرعة موجودة في الأردن”.

وفي مايو/أيار وسبتمبر/أيلول من هذا العام، عندما هاجمت إيران إسرائيل مباشرة بوابل من الصواريخ والطائرات بدون طيار، لعبت الأردن دورا أساسيا في إحباط الهجوم. ورغم انتقادات المؤيدين للفلسطينيين والدول العربية المعارضة لإسرائيل، فقد تبنت عمان موقفا لم يحظ بقدر كبير من الدعاية، كما فعلت في ما يتصل بكثير من تعاونها مع إسرائيل.

ويقول شاتزبيرج “إن العلاقة برمتها تظل تحت الرادار من جانب الأردنيين. وكلما أصبحت العلاقات مع إسرائيل في العناوين الرئيسية، فإنها تخلق حالة من عدم الاستقرار بين عامة الناس”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى