سياسة

بعد الاتفاق السعودي الإيراني.. انفتاح عمان على طهران بات ممكنا


 لم تخرج علاقة الأردن مع إيران عن إطارها الرسمي طيلة السنوات الماضية واقتصرت على تعامل عمّان مع الجارة الإقليمية بدبلوماسية حذرة مع مخاوف من تأثيرات فصائل مسلحة محسوبة على إيران في الجنوب السوري المجاور للمملكة.

لكن من غير المستبعد أن تشهد العلاقة تطورا على غرار سعي دول مثل السعودية ومصر لتطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية وخاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني.

وقد ازدادت التصريحات الأردنية الآونة الأخيرة حول إيران ودورها في المنطقة، مع دعوات عمّان المستمرة إلى ضرورة تعامل طهران وفقا لمبدأ “حُسن الجوار” وعدم تدخلها في شؤون دول المنطقة.

تلك التصريحات والرسائل الأردنية غير المباشرة لإيران تكشف عن قلق ضمني لعمان من سياسات طهران وتخوفات من تداعياتها على أمن واستقرار المملكة.

بشكل عام، يتمتع الأردن بسياسة ودبلوماسية إيجابية مع دول الإقليم والعالم، ويرتبط بتحالفات غير معلنة مع عدد منها، وخاصة الولايات المتحدة، الداعم الرئيس.

وبوساطة صينية، وقّعت السعودية وإيران في 10 مارس الجاري اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال أسبوعين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات، منذ أن اقتحم محتجون سفارة المملكة بطهران وقنصليتها بمدينة مشهد، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.

وسيدفع هذا الاتفاق بطبيعة الحال نحو تطبيع عربي مع إيران، وباعتبار الأردن جزء من المكون العربي، فالأمر بالنسبة له وارد ومحتمل، لكن عمّان ستحتاج إلى أن تنتهج سياسة توازن بها علاقتها مع كل من طهران وواشنطن في ظل ملفات خلافية عديدة بين العاصمتين.

ولمدة عقدين، شهدت العلاقات الأردنية الإيرانية قطيعة بعد دعم المملكة للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي.
وعقب قرار السعودية قطع علاقتهما مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016، تضامن الأردن مع جارته الجنوبية (السعودية) واستدعى سفيره من طهران في أبريل/نيسان من العام نفسه “للتشاور” ولم يعد بعدها، فيما احتفظت بتمثيل دبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال.
وقبل أيام، تناول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان اتفاق بلاده مع السعودية وإمكانية تطور العلاقات مع الدول العربية، وبينها الأردن.
وقال وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إنه أجرى مباحثات “ودية” مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، خلال مشاركته في النسخة الثانية لقمة بغداد للشراكة والتعاون بالمملكة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتابع أن “المملكة الأردنية محط اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية للارتقاء بمستوى التعاون والأواصر معها.. وملك الأردن أعرب عن رغبته في زيارة طهران قريبا، وهو ما ترحب به الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
ولفت الوزير الإيراني إلى أن “سفارتي البلدين تواصل مهامها، وإيران لديها تمثيل (في عمّان) على مستوى القائم بالأعمال، مع ترحيبنا برفع الأواصر مع المملكة الأردنية إلى مستوى السفير”.

ولم يستبعد أكاديميون وخبراء أردنيون أن تشهد علاقات البلدين انفتاحا قريبا، مع تأكيد ضرورة الموازنة والأخذ بعين الاعتبار علاقة المملكة مع الولايات المتحدة.

هواجس أمنية

استئناف العلاقات سيخفف من الهواجس الامنية للاردن في حدودها مع سوريا والعراق
استئناف العلاقات سيخفف من الهواجس الامنية للاردن في حدودها مع سوريا والعراق

وقال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية (حكومية) وليد أبو دلبوح “أعتقد أن الأردن قد يجد نفسه إلى حد ما مضطرا للانفتاح على إيران من منطلق سياسة الأحلاف التي يرتبط بها وخاصة الإقليمية منها، فكل دولة تتجه نحو مصالحها سواء كانت ظاهرة أو مستترة، وبشكل عام فتلك المصالح هي التي تشكل السياسة الخارجية”.

وأضاف “الأردن في تحالف وثيق مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية، وبالتالي فالخطوة المفاجأة والجريئة بين الرياض وطهران لن تبقِ المملكة الأردنية بمعزل عن الانفتاح كما بقية الدول الأخرى التي تربطها بإيران علاقات جيدة كالعراق والإمارات وقطر وسلطنة عُمان”.

لكن الأكاديمي الأردني طرح تساؤلا مفتوحا حول مدى الانفتاح المتوقع بين بلاده وإيران وهو “هل سيكون هناك عمق أمني وسياسي أم سيقتصر على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي؟”.

ولفت إلى أن “هناك مخاوف أردنية سعودية مشتركة تجاه المد الشيعي (الإيراني)، لكن عندما تُعيد عمّان تمثيلها الدبلوماسي مع طهران، فإن ذلك سيعطي الأردن دورا في العملية السياسية، وخاصة الدور الإيراني بالمنطقة، وبدون سفراء لن يكون للمملكة دور في رسم السياسة الخارجية لإيران والتأثير عليها”.

 

ورأى أن “الانفتاح الأردني على إيران سيخفف من الهواجس الأمنية لعمّان من جهة الجنوب السوري في ظل تواجد فصائل مسلحة محسوبة على طهران”.
أما عن الكيفية التي سيوازن بها الأردن بين إيران والولايات المتحدة، فلم يستبعد أبو دلبوح أن يكون هناك “ضوء أخضر من واشنطن، فالأخيرة ربما تعتمد على المملكة في لعب دور الوسيط مع إيران”.

وزاد “من الطبيعي أن لا ترحب الولايات المتحدة علنا بالانفتاح على إيران، لكنها تُدرك أن لها مصالح يمكن تحقيقها من بوابة الأردن”.

فرصة للتطبيع

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية) عيسى الشلبي فقال إن “عمّان ترى أن المصالحة السعودية الإيرانية ستكون لها تداعيات إيجابية على دول عديدة بالمنطقة بينها الأردن”.
وأردف أن “الفرصة متاحة لتطبيع العلاقات بين عمّان وطهران، بحيث أصبحت ضرورة من الضروريات الدبلوماسية التي تفرضها الظروف الإقليمية والدولية.. هناك حاجة ملحة للأردن لفهم المتغيرات الإقليمية والدولية وعلاقتها في التفاعلات الدولية”.

واستدرك معتبرا أن “عودة تطبيع العلاقات بين عمّان وطهران ستسهم إلى حد ما في تذليل العقبات التي تقف مانعا بين الدولتين”.
واستطرد “ما شهدته العلاقات بين الدولتين من تذبذبات، وخاصة بعد دعم إيران المباشر لسوريا في حدودها الجنوبية وهو ما حذّر منه الملك عبدالله في أكثر من لقاء إقليمي ودولي، بالإضافة إلى التباينات في المواقف السياسية والإستراتيجية للدولتين، أثار حفيظة عمّان التي تعتبر نفسها مستهدفةً من خلال توسع النفوذ الإيراني بالمنطقة العربية”.

وتتهم عواصم إقليمية ودولية، بينها تل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل بالشؤون الداخلية لدول عربية، منها سوريا والعراق ولبنان واليمن، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

وبالنسبة لموقف عمّان بين واشنطن وطهران، قال الشلبي إن “الأردن سيوازن انفتاحه على إيران بالنظر إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، من خلال حث واشنطن على حسن النوايا في ذلك”.
ودافع عن وجهة نظرته بأن “السعودية حليف رئيس لواشنطن، والطرف الرئيس في الاتفاق مع إيران، والذي إذا ما كُتب له الاستمرار، فسيحوّل مسار العلاقات السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط”.

فتح العلاقة نسبيًّا

علاقات استراتيجية
علاقات استراتيجية

واعتبر الكاتب الصحفي رامي عياصرة أن “الاتفاق السعودي الإيراني شكّل منعطفا هاما في رسم خارطة العلاقات في المنطقة بسبب الحيّز الكبير الذي تشغله كل من الرياض وطهران فيها”.

وأضاف “بالنظرة الفاحصة لشبكة العلاقات السياسية لإيران مع دول المنطقة، سنجد أن علاقاتها طيبة بنسبة كبيرة جدا مع أغلب الدول العربية، حتى قبل الاتفاق الأخير، باستثناء السعودية والأردن”.
وتابع “مع ذهاب السعودية باتجاه إعادة العلاقات والانفتاح مع إيران، لم يبقَ إلا الأردن، الذي تتسم علاقته مع طهران بحالة من عدم الارتياح سابقا، وصولا إلى قرار سحب السفير من طهران عام 2016”.

و”تماشيا مع الجو العام السائد في المنطقة بعد الاتفاق السعودي”، وفقا لعياصرة، فإن “الأردن سيذهب باتجاه إعادة فتح العلاقة نسبيا مع إيران، لكنه سيبقى متأثرا بعلاقته الوطيدة مع الولايات المتحدة، بحكم حجم المساعدات المقدمة من واشنطن والتواجد العسكري الأميركي في المملكة بموجب الاتفاقية العسكرية بين البلدين”.

وأردف “في هذه النقطة بالذات (العلاقات مع الولايات المتحدة)، فالأردن مختلف عن السعودية؛ باعتبار أن الرياض تُحاول أن تبتعد بل وتعيش حالة من التمرد على قواعد علاقتها التاريخية مع واشنطن”.
وختم عياصرة قائلا “باعتقادي أن المملكة قادرة على خلق حالة من التوازن في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، بدوافع المصالح الحيوية للاردن المرتبطة بطهران بصورة أو بأخرى، خاصة في العراق وسوريا”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى