الاتحاد الأفريقي يكشف خارطة طريق شاملة للأمن والسلام
كشف الاتحاد الأفريقي عن رؤية شاملة تستهدف إعادة صياغة هندسة الأمن القاري في مواجهة موجة غير مسبوقة من التهديدات الإرهابية والصراعات المسلحة.
وأكد مفوض السلم والأمن الأفريقي، السفير بانكولي أدوي، في لقاء موسع مع وسائل الإعلام العاملة في إثيوبيا، ضمن فعاليات الأسبوع الخامس للتوعية بإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات الذي ينظمه الاتحاد الأفريقي، على التزام الاتحاد الأفريقي العميق بإيجاد حلول فعّالة لمنع النزاعات وإدارتها وحلها.
وأشار إلى أن القارة تواجه اليوم «تهديدات متنوعة» ذات طابع معقد تشمل التدخلات الجيوسياسية وتداعيات التغير المناخي واتساع رقعة الصراع الإرهابي، وتمثل محاولة جادة لاستعادة زمام المبادرة وبناء منظومة قارية أكثر صلابة وقدرة على منع الانهيارات المتتالية في دول عدة.
وتسعى المقاربة الجديدة إلى الدمج بين مكافحة الإرهاب، وتطوير آليات السلام المستدام، وتعزيز الحوكمة، في إطار يعكس إدراكًا متزايدًا لدى الاتحاد بأن أمن القارة لم يعد يحتمل المعالجات الجزئية أو التدخلات المتأخرة، بل يحتاج إلى هندسة استراتيجية طويلة المدى تعالج جذور الأزمات بدل الاكتفاء بملاحقة نتائجها.
تمدد الإرهاب وتحديات صناعة السلام
وأوضح أدوي أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد يواصل القيام بدوره كجهاز قاري رئيسي لصناعة القرار في ملفات الأمن والسلام، رغم التحديات المتراكمة.
وقال إن الوضع الحالي يفرض ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد والمجتمع الدولي، خاصة في ظل التوسع غير المسبوق للتهديدات العابرة للحدود، وعلى رأسها الإرهاب، إضافة إلى تأثيرات التغير المناخي التي أصبحت تضرب الأمن والاستقرار في مناطق متعددة من القارة.
وشدد على أن هذه العوامل ساهمت في تحويل بعض الدول الأفريقية إلى ساحات مفتوحة لنشاط الجماعات المتطرفة، الأمر الذي رفع مستوى التوتر الإقليمي.
وأكد أدوي أن الاتحاد الأفريقي يلتزم بنهج متكامل يقوم على منع النزاعات وإدارتها وحلها عبر إطار استراتيجي طويل المدى.
وأوضح أن القارة تواجه تحديات معقدة، غير أن الإرادة السياسية والتضامن المؤسسي لا يزالان قائمين، بما يسمح بتوسيع العمل الجماعي وتحسين مستوى الاستجابة للمخاطر المتعددة التي تهدد الأمن القومي للدول الأفريقية.
مقاربة جديدة للأمن والحوكمة
وأشار المفوض إلى أن إحدى أولويات المرحلة المقبلة تتمثل في تطوير آليات الوساطة والجهود الدبلوماسية والوقاية الاستباقية لمنع النزاعات قبل تفاقمها، ضمن ما يعرف بـ«المنع الهيكلي للنزاعات».
وأكد أن الاتحاد يسعى كذلك إلى بناء قدرات دفاعية وأمنية متكاملة داخل الدول الأفريقية، بما يمكّنها من امتلاك الأدوات الاستراتيجية الضرورية لحماية نفسها من التمرد وانتشار السلاح خارج إطار الدولة وتنامي الهجمات الإرهابية.
وأوضح أدوي أن الديمقراطية والحوكمة الرشيدة تمثلان مدخلًا رئيسيًا لتحسين الأمن البشري ومعالجة جذور الأزمات، مؤكدًا أن هذه المقاربة تتطلب مشاركة الدولة والمجتمع المدني والمرأة والشباب والقطاع غير الرسمي، إلى جانب بناء شراكات ذكية داخل القارة تشمل المنظمات الإقليمية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.
وقال إن هذا النهج الشامل هو السبيل لتجاوز الفجوات السياسية والاجتماعية التي تغذي الصراعات في العديد من الدول.
وحول ملف مكافحة الإرهاب، قال مفوض السلم والأمن إن أفريقيا أصبحت اليوم مركزًا رئيسيًا للتهديدات الإرهابية على المستوى العالمي، وقد تبنى الاتحاد الأفريقي رؤية جديدة لتغيير هذا الواقع. وتقوم هذه الرؤية على إعادة تفعيل مركز الاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب، وعلى اعتماد مقاربة مزدوجة تجمع بين التحرك الميداني وتعزيز الصمود المجتمعي.
كما شدد على ضرورة رفع مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأفريقية، من خلال منصة قارية موحدة تسهم في تعزيز القدرة على التوقع المبكر والاستجابة السريعة للتهديدات الإرهابية المتزايدة.
استراتيجية متجددة لإسكات البنادق
وفي سياق متصل، أوضح أدوي أن الاتحاد الأفريقي نشر أكثر من عشر بعثات لمراقبة الانتخابات خلال العام الحالي، مؤكدًا أن هذه الجهود تأتي في إطار تطوير أدوات الرقابة وتعزيز الامتثال لمعايير الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحوكمة. وأضاف أن تدريب المراقبين وتأهيلهم يجري بشكل مستمر لضمان أعلى درجات المهنية، خاصة في الدول التي تواجه ظروفًا حساسة.
أما فيما يتعلق بأبرز بؤر النزاعات في القارة، فقد أكد المسؤول الأفريقي استمرار التواصل مع الأطراف المعنية بالأزمة في الكونغو الديمقراطية، مشيرًا إلى تعيين مبعوث خاص مكلف بملف السلام هناك.
ودعا أيضًا إلى وضع خارطة طريق واضحة للانتقال السياسي في مدغشقر، بدعم من «المرفق الأفريقي للانتقال» الذي أُطلق بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما أكد أن الاتحاد يتابع الموقف في غينيا مع اقتراب الانتخابات، إضافة إلى متابعة الملف الإثيوبي باهتمام خاص.
وفي حديثه عن أجندة «إسكات البنادق»، قال أدوي إن المشروع لا يزال في مقدمة أولويات الاتحاد الأفريقي رغم التعثرات، موضحًا أن هناك مراجعة شاملة للاستراتيجيات التنفيذية بقيادة الرئيس الكيني ويليام روتو.
وأكد أن تحقيق السلام والتنمية والحوكمة الرشيدة أهداف مترابطة تشكل جوهر العمل القاري، مشددًا على أهمية دور الشباب والشركاء الدوليين في دعم التحولات الاستراتيجية في القارة بما يتسق مع تطلعات أجندة أفريقيا 2063.







