سياسة

الإمارات والسلام العالمي


 إثر صدور بيان الوثيقة التاريخية بين الأزهر الشريف والفاتيكان في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتوقيع عليها من قِبل بابا الفاتيكان فرنسيس الأول والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والتي هدفت إلى تعزيز العلاقات الإنسانية، وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الأمم والشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته، ولقاء الأخوة الإنسانية دليل على أهمية رعاية التعددية والحوار بين أتباع الأديان في المجتمعات كافة، واحتفت دولة الإمارات الحاضنة لها بتوقيع الوثيقة التاريخية في العام المنصرم، وستواصل حمل راية الأخوة الإنسانية، ودعم الجهود الرامية إلى جعل المنطقة والعالم مكاناً أكثر سلاماً وتسامحاً.

الديانات السماوية مبتغاها هداية الإنسان إلى طريق السعادة الحقيقية والقيم الروحية، وجاءت تلك الديانات السماوية لتجعلَ من الإنسان ذا قيمةٍ روحية وفكرية، فالأنبياء جاءوا للهداية والسعادة وصلاح الدنيا والآخرة، وهم إخوةٌ في الإنسانية، اتجاهاتهم واحدة؛ الدعوة إلى توحيد الله تعالى الأحد الفرد الصمد، وشرائعهم تناسب الأوقات التي جاءوا فيها، وكان لكل واحد منهم حضور خاص ولكنه مكمِّل، فما أعظم ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، كلمة الله التي ألقاها إلى أمه البتول، حمل معه الرحمة وجاء بالمحبة والسماحة والسلم محبة الناس جميعاً ومسالمتهم والتسامح معهم، وأدهش بمعجزاته كل من رآه وعلمهم وهداهم، فقال السيد المسيح: “جئت لأخلص العالم” وقال: “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”، وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا رحمة مهداة”.

إنما الإسلام هو المنهج الذي ارتضاه الله للناس جميعاً، من أول الرسل إلى خاتم الأنبياء يقول تعالى: “إن الدين عند الله الإسلام”، وكل ما خالف هذا المنهج فليس بدين عند الله، ويقول: “شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا”، ومن ثم فقد أطلق لفظ مسلم على كل من اتبع هذه التعاليم.

وقد جاء الإسلام ليعيد لتعاليم الله صفاءَها وليخلصَ الدينَ مما علق به من رواسب، وما لحق به من تحريف، فهو إصلاح عام ودعوة إلى تآلف الشعوب وتقارب الأمم وتوحيد العالم، ودعوة الناس جميعاً إلى منهاجٍ واحدٍ في العقيدة والسلوك ليعيشوا في سلام ومحبة وتكافل وتعاون وتآزر، كي يصل المجتمع الإنساني إلى المستوى الراقي الرفيع.

ونادت وثيقة الأخوة الإنسانية بالتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء، ووقف الحروب والصراعات والتراجع المناخي والانحدار الثقافي والأخلاقي، والعمل على وقف استخدام الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب، وإلى المصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، وشُكّلت دعوة الأزهر الشريف وبابا الفاتيكان إلى تعزيز التعاون بين مختلف المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية من أجل صياغة مبادرات ورؤى تعزز قيم الحوار البنّاء الفاعل بين الثقافات، واحترام المعتقدات ونشر ثقافة التسامح والسلام، انطلاقاً من حاجة العالم الملحة إلى تكريس الجهود من أجل بثِّ روحِ الإخاء الإنساني والتعايش بين جميع شعوبه، لترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في مختلف أرجائه، والتصدي لمحاولات تشويه الأديان أو التحريض على الكراهية الدينية.

ما يمكن التأكيد عليه أنه لا يوجد تكليف شرعي كمرجعية فقهية لدى هؤلاء المتطرفين للقيام بعمليات القتل والتدمير، وتقتضي محاربتهم على كل المستويات ثقافياً ومادياً ودبلوماسياً باعتبارهم أساءوا إلى الأديان السماوية، والعمل على تأسيس لجان منبثقة عن الأمم المتحدة لإنهاء الملاذ الآمن لهذه الجماعات التكفيرية المسلحة، فالإسلام يدعو إلى التفكر والتدبر والإخاء والسلام، وقال بابا الفاتيكان: “إن الأخوة البشرية تتطلب منا كممثلي الأديان أن نلتزم معاً، كإخوة في العائلة البشرية الواحدة التي شاءها الله، ضد منطق القوة المسلحة، وضد التسلح على الحدود وبناء الجدران وخنق أصوات الفقراء، لنواجه كل هذه الأمور بواسطة قوة الصلاة العذبة، والالتزام اليومي في الحوار، وليكن وجودُنا معاً رسالةَ ثقةٍ، والله مع الإنسان الذي يبحث عن السلام، ومن السماء يبارك كل خطوة تتخذ على الأرض في هذا الاتجاه”. في حين أوضح الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر “أن الأديان الإلهية بريئةٌ كل البراءة من الحركات والجماعات المسلحة التي تسمى حديثاً بالإرهاب، كائناً ما كان دينها أو عقيدتها أو فكرها أو ضحاياها، أو الأرض التي تمارس عليها جرائمها المنكرة وأن الأديان قد أجمعت على تحريم الدماء، وأن الله حرّم قتل النفس في جميع رسالاته الإلهية، وعلينا حماية المسيحيين في الشرق الأوسط، باعتبارهم شركاء في أوطانهم، وهم شركاؤنا في الوطن، وإخواننا الذين يذكّرنا القرآن بأنهم أقرب الناس مودة لنا”.

ويجمع المتابعون والمراقبون لشؤون المنطقة العربية على أهمية الدور الإماراتي في تقريب المسافات بين الدول، بهدف تجاوز الخلافات، وصولاً إلى مرحلة الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار، منطلقين من قناعة راسخة بأن المشروع الإماراتي هو ذاك الذي يجسد علاقات التعاون والحوار بين الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، ومواجهة مشاريع بث الفوضى والدمار والخراب والتطرف، ووضع حد للجماعات الخارجة عن القانون والموغلة في دماء الأبرياء قتلاً وتدميراً، والعمل على إرساء المحبة وتوطيد أسس التسامح والسلام بين شعوب العالم.

  نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى