الإمارات.. نموذج في إدارة الأزمات وتحويلها لفرص


لا تقاس قوة الدول وتقدمها فقط بتطورها العلمي والتكنولوجي.

وإنما أيضاً بقدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية وكفاءة، وتحويلها إلى فرص للانطلاق منها إلى نجاحات وإنجازات جديدة، وجاءت أزمة جائحة “كوفيد-19” منذ ظهورها نهاية عام 2019 وحتى وقتنا الراهن لتكشف ذلك بوضوح، فقد أظهرت أن الدول التي تمتلك منظومة قوية وفاعلة في إدارة الأزمات والاستعداد الاستباقي لها وامتلاك أدواتها، هي القادرة على تخفيف تداعياتها السلبية وتحقيق التعافي السريع والمستدام منها، وقد قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً ملهماً في هذا الشأن، ففي الوقت الذي لا تزال هذه الأزمة تلقي بتداعياتها السلبية على العديد من دول العالم على الأصعدة كافة الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وتبحث عن حلول لمواجهتها وتخفيف آثارها، فإن الإمارات تجاوزت ذلك سريعاً، وواصلت تنفيذ خططها التنموية ومشروعاتها الكبرى في المجالات كافة.

حينما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عبر تغريدة في حسابه الرسمي على “تويتر” قبل أيام: “إدارة الأزمات تخلق فرصاً.. وأزمات الإدارة تدمر مكاسب”، فإنه كان يعبر عن النهج الذي يميز دولة الإمارات في إدارة الأزمات، والاستفادة من الفرص التي تتيحها، وتقليل الآثار السلبية الناجمة عنها على الدولة والمجتمع، فهذا النهج يعد أحد جوانب التميز في تجربة التنمية الإماراتية منذ نشأة الدولة في مطلع سبعينيات القرن الماضي على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي استطاع مواجهة المشكلات والتحديات التي واجهت دولة الاتحاد الوليدة بقوة وصلابة، ليؤسس بذلك مدرسة فريدة في إدارة الأزمات، وهي المدرسة التي تسير على نهجها وتضيف إليها القيادة الرشيدة، والتي جعلت من الإمارات اليوم تجربة يحتذى بها إقليمياً وعالمياً في الإدارة الفاعلة للأزمات، وتحويلها إلى فرص، لأنها لا تعترف بالمستحيل، وترفض الاستسلام أمام الأزمات والمشكلات مهما كانت صعوبتها ودرجة تعقيدها، وتبتكر الحلول المبدعة لحلها، وتشجع الأفراد والمؤسسات على المشاركة في مختلف مراحل إدارتها، وترسخ لديهم الإحساس بالمسؤولية باعتبارهم شركاء في مسيرة النهضة والتنمية.

في الوقت الذي عمقت فيه جائحة “كوفيد-19” من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العديد من دول العالم، فإن الإمارات كانت استثناء من ذلك، واستطاعت الاستفادة من الفرص التي أتاحتها هذه الجائحة في مواصلة مسيرة الإنجازات، يكفي أنها في العام الأول من هذه الجائحة حققت إنجازين عالميين كبيرين؛ الأول إطلاق “مسبار الأمل” في موعده المحدد مسبقاً، وهو يوليو 2020 من قاعدة مركز “تانيغاشيما” الفضائي في اليابان، ليصل بنجاح إلى مداره في الكوكب الأحمر في التاسع من فبراير 2021، ولتكون الإمارات الدولة الخامسة في العالم التي تحقق هذا الإنجاز بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي “السابق”، والاتحاد الأوروبي والهند. أما الإنجاز الثاني فكان انضمام الإمارات إلى نادي الطاقة النووية السلمية الذي يضم نحو 33 دولة حول العالم، بعد نجاحها في تشغيل مفاعل المحطة الأولى من محطات براكة للطاقة النووية السلمية في شهر أغسطس 2020، الذي دخل مرحلة التشغيل التجاري الكامل في شهر مارس 2021، لتكون الإمارات بذلك الدولة الأولى عربياً في إنتاج الكهرباء من تكنولوجيا الطاقة النووية.

وإذ كانت المؤشرات الدولية تحمل في دلالاتها الوجه الآخر للإنجاز والتفوق، فإن دولة الإمارات جاءت في صدارة العديد من المؤشرات الدولية الخاصة بالتعافي من جائحة كوفيد-19، ليس فقط في الجوانب الصحية وتعزيز المناعة المجتمعية، وإنما أيضاً في الجوانب الاقتصادية، فقد احتلت قمة الترتيب العالمي لمعدل التطعيم ضد فيروس “كورونا” المستجد وفقاً لتصنيف حديث صدر عن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قبل أيام، كما حققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الإمارات نمواً بنسبة 44.2% خلال العام الماضي 2020 مقارنة بعام 2019، حيث بلغت 19.88 مليار دولار وذلك على الرغم من تداعيات جائحة “كوفيد-19” وارتفع الرصيد التراكمي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لنحو 174 مليار دولار، بنسبة نمو 12.9% خلال الفترة ذاتها، كما استطاع الاقتصاد الإماراتي خلق 100 ألف وظيفة بقطاع التجزئة والتجارة الإلكترونية و148 ألف وظيفة بقطاعات المالية والتقنية والاتصالات، وغيرها العديد من المؤشرات التي أظهرت قدرات الإمارات الاستثنائية في إدارة أزمة جائحة كوفيد-19، واحتواء تداعياتها المختلفة، والاستفادة من الفرص التي أتاحتها في تحقيق المزيد من الإنجازات التي تدعم مسيرتها التنموية.

ستظل أزمة جائحة كوفيد-19، رغم ما تثيره من مآسٍ إنسانية في العديد من دول العالم، اختباراً حقيقياً لقياس قوة الدول، ومؤشراً لتقييم منظومتها في إدارة الأزمات والتعافي المستدام منها، وقد نجحت الإمارات في هذا الاختبار بكفاءة عالية، وقدمت تجربة يُحتذى بها للآخرين في الإدارة الفاعلة والرشيدة للأزمات، والاستعداد الاستباقي للمستقبل، يكفي الإشارة هنا إلى أن الإمارات جاءت في مقدمة دول العالم التي بدأت مبكراً جهود التعافي المستدام من هذه الجائحة، بل وقادت الجهود العالمية في هذا الشأن، حينما أعلنت عن هيكلة حكومتها لتواكب الأولويات الجديدة لعالم ما بعد كورونا، وخصصت جلسات “حوارات القمة العالمية للحكومات” التي عقدت افتراضياً في مارس الماضي لاستشراف طبيعة الدور الذي تقوم به حكومات المستقبل، وكيفية الاستفادة من الفرص التي أتاحتها هذه الجائحة في تصميم آليات جديدة للارتقاء بالعمل الحكومي، وتطوير استراتيجيات شاملة تواكب متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة في المستقبل.

Exit mobile version