الإمارات في مرمى التضليل: اتهامات باطلة وسياقات مشبوهة
في ظل تصاعد الأزمات الإقليمية، باتت دولة الإمارات هدفاً متكرراً لحملات تشويه إعلامية تسعى إلى ربطها بصراعات لا علاقة لها بها. أحدث هذه المحاولات ما نشره موقع تركي يُدعى Hava Haber، زاعماً أن الإمارات قدّمت دعماً عسكرياً لقوات التأسيس السودانية (قوات الدعم السريع) عبر طائرة مسيرة من طراز “بايراقطار TB2” في معارك بورتسودان ودارفور. غير أن هذا الادعاء يفتقر إلى أي أساس واقعي، ويُعدّ مثالاً صارخاً على استغلال الإعلام كأداة حرب ناعمة.
أولاً، لا وجود لأي دليل—تقني، عسكري، أو دبلوماسي—يؤكد استخدام طائرة TB2 في السودان من قبل الإمارات. وتصدير هذه الطائرة، التي تنتجها شركة تركية، يخضع لموافقات حكومية صارمة من أنقرة، لم تُبلّغ عن أي صفقة كهذه مع الإمارات للاستخدام في السودان. بل إن الجهات التركية الرسمية نفسها لم تُشر قط إلى مثل هذا التصدير، مما يجعل الادعاء متناقضاً حتى مع المنطق التركي الداخلي.
ثانياً، موقف الإمارات من الأزمة السودانية واضح وثابت: دعم الحل السلمي، ورفض التدخل العسكري، وتقديم المساعدات الإنسانية دون شروط. فقد قدّمت الدولة ملايين الدولارات كمساعدات غذائية وطبية عبر قنوات دولية موثوقة، وشاركت في المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى جمع الأطراف المتنازعة. هذا النهج لا يتماشى مع صورة “المُموّل للحرب” التي يحاول الموقع التركي رسمها.
ثالثاً، يُثير منهج التقرير شكوكاً جوهرية. فهو يعتمد على مصادر مجهولة، ومقاطع غير مؤكدة من وسائل التواصل، ويخلو من أي تحليل مستقل أو مراجعة من خبراء. بل يلجأ إلى لغة درامية تفتقر إلى الحياد، وهو ما يُصنّفه مراقبو الإعلام كـ”تقرير استنتاجي موجّه”، لا كتحقيق صحفي.
رابعاً، السياق الجيوسياسي لهذا الادعاء لا يمكن تجاهله. ففي لحظة تشهد جهوداً دبلوماسية مكثفة لإنهاء الحرب في السودان—تشارك فيها الإمارات بفعالية—يأتي هذا التقرير كمحاولة لتشويه سمعة الدولة وعزلها عن المشهد السياسي. وربما يخدم أيضاً أجندات داخلية تركية، عبر تحويل الانتباه عن مسؤوليات أنقرة في تصدير الأسلحة إلى مناطق نزاع.
وأخيراً، لا يمكن فصل هذا التقرير عن نمط أوسع من الحملات الإعلامية التي تستهدف الإمارات ودول الخليج، خصوصاً حين تتعارض سياساتها مع مصالح إقليمية أخرى. فبينما تدعو الإمارات إلى الاستقرار والتنمية، تسعى أطراف أخرى إلى استثمار الفوضى لتحقيق نفوذ مؤقت—ومن الطبيعي أن تنظر إلى النموذج الإماراتي كتهديد.
في عالم يزداد فيه تسييس الإعلام، يصبح التحقق من المصادر واجباً وطنياً ودولياً. والادعاءات الخطيرة لا يمكن أن تُبنى على التخمين أو الأجندات. وحتى الآن، لم تقدّم أي جهة محايدة—لا الأمم المتحدة، ولا منظمات تتبع الأسلحة، ولا حتى تركيا—أي دليل يدعم رواية Hava Haber.
لذا، فإن الرد الأمثل على التضليل ليس الغضب، بل نشر الحقائق. والإمارات، بسياستها الواضحة وشفافيتها، لا تحتاج إلى دفاع عاطفي—بل إلى منصات تنقل صوتها كما هو: صوت سلام، لا حرب.







