الإطار التنسيقي يبحث أنشطة الصدر غير العلنية مع قرب الانتخابات

بالرغم من إعلانه المتكرر بمقاطعة الانتخابات المقبلة، لا يزال زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يشكل مصدر قلق بالغ لقوى “الإطار التنسيقي” التي تقود المعسكر الشيعي في العراق، وذلك في ظل تحولات متسارعة في المزاج الانتخابي الشيعي واحتمالات تقارب متزايدة بين الصدر ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ما قد يعيد رسم الخارطة السياسية في البلاد.
وفي اجتماع مغلق عقد مؤخراً في مكتب رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، ناقشت قيادات الإطار التنسيقي المستجدات الانتخابية، وركز الاجتماع على ما وصفه أحد الحاضرين لموقع “شفق نيوز” الكردي العراقي بـ”الإشارات المقلقة” القادمة من التيار الصدري، الذي وإن أعلن انسحابه، إلا أنه “لا يزال يتحرك في المشهد بقوة، عبر شروطه وتصريحاته وتلميحاته المتكررة بإمكانية دعم بدائل من خارجه”.
وبحسب المصدر، فإن الاجتماع تناول بالنقاش تصريحات الصدر الأخيرة التي وضع فيها مجموعة من الشروط “الإصلاحية” لأي طرف يسعى للحصول على دعمه، من بينها: حصر السلاح بيد الدولة، تنظيم الحشد الشعبي ضمن أطر قانونية جديدة، تقوية الجيش والشرطة، والاستقلال في القرار السياسي دون تبعية خارجية.
هذه البنود، التي تتقاطع مع الكثير من سياسات قوى الإطار، اعتبرها بعض قادة التحالف بمثابة إعلان “صامت” عن عودة الصدر من باب التأثير غير المباشر، وهو ما يعزز المخاوف من فقدان الإطار لهيمنته داخل البرلمان في حال تحركت الكتلة الصدرية – أو حلفاؤها الجدد – لاستثمار هذا التأييد المعنوي.
ما يزيد من توجس الإطار هو ما وصفه مصدر حضر الاجتماع بـ”علامات أولية” على تقارب غير معلن بين الصدر والسوداني، لا سيما أن الأخير بدأ فعلياً بتبني بعض شعارات الصدر الإصلاحية، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة هيكلة الحشد الشعبي وتقوية مؤسسات الدولة.
ويخشى وكلاء طهران داخل الإطار من أن يشكل هذا التقارب، ولو كان مؤقتاً أو براغماتياً، عامل جذب لشريحة واسعة من الناخبين الشيعة الذين ملّوا من الانقسامات الداخلية وشبهات الفساد، ويرون في خطاب الصدر مخرجاً من حالة الجمود السياسي.
وتقول بعض المصادر أن السوداني لا يُخفي إعجابه ببعض مواقف الصدر، بل يحاول الاقتراب من طروحاته لضمان كتلة تصويتية أوسع بعيداً عن تأثيرات التحالفات التقليدية لكن ذلك قد لا يعني تحالفاً رسمياً، لكنه كافٍ لإحداث زلزال في التوازنات الانتخابية”.
في هذا السياق، لا يقتصر القلق داخل الإطار التنسيقي على عودة الصدر كفاعل غير مشارك فحسب، بل يتعداه إلى القاعدة الانتخابية الشيعية التي يبدو أنها تعيد النظر في خياراتها، في ظل تصاعد الأصوات الداعية إلى “تجديد الوجوه” والانفتاح على تيارات تحمل خطاباً إصلاحياً يتجاوز الاصطفافات المذهبية.
ويخشى الإطار من أن تؤدي هذه التحولات إلى تفتيت الصوت الشيعي، وفقدان الأغلبية التي تمتّع بها بعد انتخابات 2021، حين استقال الصدريون من البرلمان وفسحوا المجال لتحالف “دولة القانون” و”الفتح” للعودة بقوة.

لكن المشهد يبدو اليوم مختلفاً؛ فغياب التيار الصدري من السباق الانتخابي لا يعني غياب تأثيره، إذ لا تزال خطاباته وتصريحاته تحدد أجندة النقاش العام داخل الشارع الشيعي. ووفق مراقبين، فإن “الصدريين المنسحبين لا يزالون في الميدان، وقد يتحولون إلى ناخبين فاعلين بدلاً من مرشحين، ما يعطيهم حرية أكبر في ترجيح كفة من يلتزم بشروط زعيمهم”.
وأثار بيان الصدر الأخير الذي أعلن فيه البراءة من عشرات الشخصيات المحسوبة عليه بسبب مشاركتهم في الانتخابات، حالة من الارتباك داخل وخارج تياره. البعض اعتبرها خطوة لتعزيز خطابه الأخلاقي الرافض للعملية السياسية، لكن آخرين يرونها بمثابة “فلترة” داخلية تهيئ الأرضية لدعم مرشحين مستقلين يحملون راية الصدر دون إعلان ذلك.
ويقول مراقبون إن هذا النهج قد يسمح للصدر بتجنب تبعات المشاركة المباشرة، مع الحفاظ على نفوذه الشعبي، وهو ما يهدد بنية التحالفات الشيعية التي تستند على استقطاب القواعد الجماهيرية من دون منافسين أقوياء.
ويبدو الإطار التنسيقي اليوم في وضع دفاعي، يحاول فيه استباق خطوات الصدر، وضبط بوصلته الانتخابية في ظل تحولات داخلية غير مضمونة نتيجة سياق إقليمي شامل. ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يدرك قادة الإطار أن عودة التيار الصدري، حتى من بوابة التأثير غير المباشر، كفيلة بقلب موازين القوى.
وفيما يتحدث البعض عن محاولات لفتح قنوات اتصال سرية مع الصدر أو مقربيه لاحتواء التصعيد، إلا أن المعطيات تشير إلى أن الأخير يسعى لتغيير قواعد اللعبة لا العودة إليها. وبينما تتغير أولويات الناخب الشيعي وتتراجع أسهم القوى التقليدية، يبقى حضور الصدر – حتى في غيابه – هو المتغير الأكبر الذي يرسم مستقبل الانتخابات المقبلة.