سياسة

الإرهاب يفتك بمنطقة الساحل.. والحلول على طاولة الخبراء


مع انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقي، بدأت بعض الحركات المسلحة تطل برأسها، مستعيدة زمام المبادرة بالهجمات الإرهابية، ما انعكس على الوضع الأمني في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

فراغ أمني، فتح الباب لتوترات وعمليات «إرهابية» باتت تهدد الاستقرار الإقليمي وتثير مخاوف دولية واسعة، وخاصة مع عدم قدرة تلك البلدان عن التصدي لتوسع التنظيمات المسلحة.

فبعد أكثر من ثلاث سنوات بعد إنهاء عملية برخان الفرنسية، شهدت المنطقة تصاعدًا عنيفًا في هجمات الجماعات الإرهابية؛ ففي شهر واحد فقط، قُتل أكثر من 100 جندي مالي في هجوم على قاعدة بولكيسي (بالي يونيو)، فيما زعم التنظيم أن الهجمات قضت على أكثر من 400 جندي في مايو/أيار ويونيو/حزيران وحدهما، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أن تلك الهجمات لم تعد مقتصرة على مناطق نائية؛ بل أصابت مدنًا ومراكز حضرية في مالي وبوركينا والنيجر، بينما امتد تأثير التنظيم إلى شمال بنين وتوجو، ما يهدد الساحل بأكمله.

ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن تنظيمين رئيسيين يهيمنان على المشهد في الساحل الأفريقي، وهما: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM أو JNIM)، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة، تنشط بالأساس في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم داعش الإرهابي في الساحل (EIS)، ويُظهران تطورًا تكتيكيًا في استعمال طائرات بدون طيار وأسلحة مضادة للطيران، وتجاوزًا للمليشيات المحلية في القوة والسيطرة.

الأسباب

يقول ألان أنتل، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IFRI)، إن القوات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو والمنطقة شهدت انهيارًا شبه كامل، جراء:

  • ضعف العتاد
  • الفساد
  • نقص الموارد

عوامل اجتمعت، جعلت من الصعب تأمين أراض شاسعة ممتدة عبر الحدود الثلاثية، بحسب الباحث السياسي الفرنسي، الذي قال إنه بعد انقلاب 2022 في بوركينا، قُتل أكثر من 100 جندي في هجوم على موقع عسكري في مانسيلا – اعتبر من «أقسى الاختراقات» التي شهدها الجيش البوركيني مؤخرًا. كما فقدت بوركينا أكثر من نصف أراضيها فعليًا تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية.

نظام مواز؟

وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الجماعات الإرهابية تستخدم السيطرة التدريجية على المناطق لفرض نظام موازٍ، بخدمات قطاعية موازية، من تحصيل الضرائب إلى الإدارة المحلية، بهدف إرساء نظام حكم خدماتي يطمح إلى بديل محلي للدولة».

وفي استراتيجيات مماثلة، يعتمد التنظيم على تعبئة المجتمعات المهمشة، خاصة الفولاني، متقمصًا دور «المدافع عن المظلومين» لتوظيف توترات محلية لصالحه. هذه التكتيكات وفرت له شبكة دعم محلية تسهل تحركاته وتوسعه.

و«الفولاني» مجموعة عرقية في الصحراء الكبرى والساحل وغرب أفريقيا، منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة.

ويرى الباحث الفرنسي، أن خروج باريس لم يكن نظاميًّا فقط، بل أدى إلى تآكل تأثير الشركاء التقليديين، وخلق فراغا أمنيا لم تستطع التكتلات الإقليمية معالجته، رغم تشكيل تحالف دول الساحل الثلاث (AES)، إلا أن ضعف المؤسسات وعدم وجود تمويل مستدام تجعل هذه المحاولات «من دون روح تنفيذ».

وأشار إلى أن الدول الثلاث استبدلت الشركاء الغربيين بمزودي حماية من العالم الروسي، مما أثبت محدودية عند مواجهة هجمات منظمَّة ومتطورة، مؤكدًا أن الحرب تتركز الآن في قلب المدن ومراكز الحكم، وليست مجرد تمرد ريفي.

وعانت بوركينا فاسو من تعطيل خدمات أساسية مثل: التعليم والرعاية الصحية في مناطق عدة بسبب استهداف المدارس والمدرسين من قبل التنظيمات الإرهابية، كما أن ضعف التنسيق بين البلدان الثلاثة يعزز من مسار الانفلات الأمني، رغم الدعوات لتعزيز التعاون عبر الحدود.

مستقبل غامض

وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الحرب على الإرهاب في الساحل لا تعتمد فقط على القوة العسكرية»، مؤكدًا أن التركيز فقط على العمليات المسلحة يعطي مؤشرات نجاح وهمية.

وأوضح أن الشراكات الإقليمية وحدها لا تكفي، فهناك حاجة حقيقية إلى:

  • استعادة المؤسسات
  • فك شبكة النفوذ التي تمكن المجموعات الإرهابية من تحويل نفسها لقوة تنظيمية مدنية
  • دعم دولي
  • تدريب مؤسساتي
  • حماية سكان المناطق المتضررة.
  • تمكين المجتمعات المحلية
  • الاستثمار في بناء الدولة

الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الأفريقي باكاري سامبي، مؤسس ومدير “معهد تمبكتو للدراسات بالعاصمة السنغالية داكار، والذي قال  إن “مكافحة الإرهاب تتطلب:

  • انتقال الانخراط الدولي ينتقل من الدعم العسكري لبناء مؤسسات محلية قوية تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتكسر احتكار التنظيمات الإرهابية للسيطرة المجتمعية.
  • تعزيز العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني
  • مشاركة السكان المحليين في كسر دوائر الغضب

سامبي أشار إلى أن المنظمات المسلحة باتت تتحكم في الواقع المجتمعي جزئيًا عبر تقديم خدمات بديلة—تعليم، محاكم محلية، وتوزيع مساعدات—ما يُبرز ضرورة إدماج السكان المحليين في الحلول السياسية والاستراتيجيات الأمنية المستدامة

وأكد أن المعادلة الأمنية في الساحل اليوم باتت: استقرار الدولة لا يبنى بالسلاح فقط، بل بحاجة إلى استعادة سيادة الدولة عبر المشاركة الشعبية والتحول المؤسساتي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى