سياسة

الإرهاب.. نحن لا نتعلم من الأخطاء


عندما لا نستفيد من أخطائنا، فإن التاريخ يعيد نفسه مراراً وتكراراً. قد تكون هذه العبارة هي الأدق لوصف ما يتعلق بالإرهاب في أفريقيا، لا سيما في حالة الاعتقاد السائد بأنه لن يؤثر علينا أبداً.

وإذا عدنا إلى الوراء قليلا فسنجد أنه عندما يظهر الإرهاب في بلد ما، فإن جيرانه عادةً ما يكتفون بموقف المتفرج، معتقدين أن تلك ليست مشكلتهم، وفي كثير من الأحيان، كانت تلك الدول بمثابة الملاذ أو مستودع الأسلحة أو مناطق توريد أو استراحة الإرهابيين، بينما كانت بقية البلدان المعنية تنظر إلى الاتجاه الآخر.

ومع مرور الوقت، اتضح أن السماح بهذا الأمر خطأ فادح، لأن الإرهاب بطبيعته يميل إلى الانتشار والتمدد، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجموعتين متنافستين.

وفي عام 2012، بدأ تمرد الطوارق في شمال مالي، ثم ما لبث أن تحوّل إلى غزو إرهابي، تاركاً الانتفاضة الشعبية نفسها بدون صوت، وفي خضم ذلك، كانت تُعقد في بوركينا فاسو المجاورة اجتماعات تسعى إلى تحقيق السلام بمالي، وبالتوازي مع ذلك، يتم بيع الأسلحة والمركبات ودفع فِدْيات الرهائن المختطفين من طرف القاعدة.. إلخ.

ولم يتوقع قادة بوركينا فاسو، في أي وقت من الأوقات، حجم الكارثة التي ستحل ببلدهم، حتى عام 2014 بعد رحيل الرئيس السابق بليز كومباوري “الذي تفاوض مع الإرهابيين”، تاركاً بلده في أيدي القاعدة وداعش.

وبالنظر إلى حالة النيجر التي ظلت على الهامش طيلة الأزمة نجد أنها، في الوقت الحاضر، يتوجب عليها الدفاع عن نفسها ضد القاعدة في المغرب الإسلامي، وبوكوحرام في الجنوب، وداخل البلاد ضد فرع داعش.

وفي بداية العام الجاري، كانت الدول الساحلية في غرب أفريقيا في منأى عن الإرهابيين، ولكن تكررت تجربة بوركينا فاسو ذاتها بتلك البلدان، وكانت المناطق الغابوية في توجو وبنين وغانا وساحل العاج بمثابة ملجأ للمتمردين، وحتى لعائلات الإرهابيين الذين عاشوا في بعض البلدان الساحلية في ذلك الجزء من أفريقيا، بينما يعيث المُعيل فسادا وتدميرا في مالي أو بوركينا فاسو، في النيجر أو نيجيريا.

لذلك يدرك الإرهابيون جيداً أن الموانئ الساحلية في أفريقيا تعمل كمحرك اقتصادي للدول الداخلية، فإذا توقفت عن النشاط فلن يكون هناك دخل، وهو ما سيؤثر على الشعوب والدول على حد سواء، لكن يبدو أن ذلك التوازن والسيطرة على وشك الانتهاء الآن، وتوجد في الساحة الآن مجموعتان في طور التوسع والتمدد، وهم يدركون جيداً أنه إن لم تسيطر مجموعة على المنطقة، فستقوم بذلك المجموعة الأخرى، عاجلاً أم آجلاً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي تفكر فيه هذه الدول الساحلية عندما ترى أن الإرهاب يريد غزوها أيضا.

فالكاميرون على سبيل المثال لم تتخيل أنها ستعيش المأساة التي تعانيها منذ عام 2015 لأنها سمحت سابقاً لأراضيها بأن تكون جزءًا من طريق عبور الأسلحة والذخيرة والإمدادات، بالإضافة إلى تحويلها إلى منطقة لجوء واختباء للمقاتلين وعائلاتهم أمام ضغوط الجيش النيجيري. وكما نرى، فإن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة على ضفاف بحيرة تشاد، بتكرار الخطأ نفسه وبنتيجة مماثلة.

إن الإرهاب ليس مشكلة البلد الجار، بل هو مشكلة الجميع، حتى لو كان في الجزء الآخر من الكرة الأرضية. إن منح الملاذ والملجأ للإرهابيين لتحقيق انسجام وقتي وتأجيل المشكلة إلى وقت لاحق والتمادي في ذلك، هو خطأ كبير، لكن يبدو أننا لا نتعلم منه أبداً.

@Sahel_Intel

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى