سياسة

الإخوان والشائعات.. تكتيك التضليل لزعزعة استقرار المجتمع المصري


رغم فشل كل محاولاتها السابقة لا تكف جماعة الإخوان الإرهابية عن استخدام «استراتيجية التضليل»، في محاولة لهدم وزعزعة استقرار الدولة المصرية.

وخلال الأيام القليلة الماضية وجه كوادر بجماعة الإخوان انتقادات لقيادة الجماعة بسبب ما قالوا إنه تقصير في ملف “السجناء”، متسائلين ماذا حققت الجماعة لهم خلال أكثر من 11 عاما. وفي حين تجاهلت القيادة الإخوانية تساؤلات أتباعها روجت المنصات الدعائية للجماعة شائعات غير صحيحة عن أوضاع السجون ومقرات الاحتجاز التي يوجد بها أعضاؤها، وهو ما ردت عليه وزارة الداخلية المصرية في بيان رسمي، ووصفته بأنه دليل على حالة اليأس التي أصابت الجماعة.

وكشفت هذه التطورات المتلاحقة أن عمليات نشر الشائعات والمعلومات المضللة هي أحد الأسلحة القليلة المتبقية لجماعة الإخوان التي فقدت التأثير تقريبا. ولم يعد لها حضور قوي في المشهد من فترة طويلة.

ويتضح من النظر إلى عمليات نشر الشائعات أن جماعة الإخوان تعتمد استراتيجية منسقة لنشر المعلومات غير الصحيحة وترويج الأكاذيب. أملا في أن يؤدي ذلك إلى تهييج الشارع المصري أو على الأقل إفقاده الثقة بالبيانات التي تصدر عن الجهات الرسمية والإيحاء له بأن هناك ما يُخفى عنه.

ولا يعد اللجوء لهذا الأسلوب أمرا جديدا على جماعة الإخوان التي دأبت على استخدام هذا التكتيك منذ سنوات، وعملت على إنشاء لجان إلكترونية متخصصة في نشر دعاية الجماعة وشائعاتها. وكانت بداية تنظيم هذه اللجان في صورتها الحالية، في عام 2015. كجزء مما عُرف بخطة الإنهاك والإرباك والحسم، التي وضعتها “لجنة الخطة” التابعة للجنة الإدارية العليا الأولى للجماعة التي أدارت الأمور بدلا من مكتب الإرشاد من فبراير 2014-مايو 2015.

وفي ذلك التوقيت، اقترح أحمد ريدي، أحد كوادر الجماعة، على محمود حسين عضو مكتب الإرشاد والأمين العام للجماعة وقتها، والقائم بأعمال المرشد-جبهة إسطنبول حاليا. إنشاء لجان إلكترونية تكون مهمتها ترويج ما تريده الجماعة من روايات وأخبار على مواقع التواصل المختلفة. وبالفعل جرى عرض المقترح على نائب المرشد وقتها إبراهيم منير وأقر الأخير الفكرة وبدأت العمل تحت إشراف محمود حسين وبالتنسيق مع أحمد ريدي، المقيم في هولندا وزوجته إيمان الجارحي.

ويعمل بهذه اللجان مجموعة من كوادر جماعة الإخوان وتقوم على نشر الشائعات واستهداف أعداء الجماعة في مصر وخارجها بالتشويه ونشر الأخبار المغلوطة والكاذبة عنهم. وترويجها على نطاق واسع، وبمرور الوقت أصبح هناك أكثر من فريق إداري مسؤول عن اللجان وتعمل الفرق بالتنسيق مع اللجنة الإعلامية للجماعة. ومن بين أبرز الأسماء العاملين في هذا الأمر إبراهيم فودة، وأحمد ناصر، وأحمد ريدي وآخرون.

وسبق أن كُشف عن تلقي كوادر من الجماعة دورات تدريبية في جورجيا .ودول أخرى من أجل التدريب على أساليب نشر الشائعات والأخبار المغلوطة وتوظيفها دعائيا ضد خصوم الجماعة وأعدائها.

 آلية وسمات عمل اللجان

وتشير المعلومات المتوافرة عن ماكينة إنتاج الشائعات الإخوانية. بجانب تحليل الرسائل الاتصالية التي تتضمنها هذه الشائعات. أن الجماعة استفادت من الخبرات الدعائية التي تراكمت لدى بعض الدول والأنظمة في هذا المجال. ورسمت استراتيجية “تضليل” منسقة ومخططة من أجل توظيفها في حرب الأكاذيب التي تشنها.

وجرى تخطيط هذه الاستراتيجية عن طريق منسقين إعلاميين وصحفيين وخبراء مرتبطين بالجماعة في عدد من الدول خارج مصر. وتُعرفها الجماعة بأنها استراتيجية “المواجهة الإعلامية” للنظام أو الحكومة في مصر.

وتعتمد استراتيجية التضليل ونشر الشائعات الإخوانية، وفق المعلومات المتوافرة عنها، على نشر المواد الدعائية غير الدقيقة. بشكل متكرر وسريع على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى شاشات القنوات الإخوانية وتلعب اللجان الإلكترونية دورا بارزا في ترويجها. ويعد اختيار أكثر من قناة وموقع ووسيط اتصالي جزءا من المحددات الرئيسية لاستراتيجية التضليل والشائعات الإخوانية.

ويتم في هذه الاستراتيجية نشر معلومات مغلوطة بالكامل أو مبتورة من سياقها. وفي بعض الأحيان القيام بتعديلات على الصور والفيديوهات بواسطة (التزييف والتزييف العميق) من أجل نشر فكرة أو انطباع معين لدى الجماهير.

وتعتمد الاستراتيجية الإخوانية على استخدام المنشورات النصية والصور والفيديو وغيرها من الوسائط التي تُنشر عبر القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية .وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إحداث أكبر تأثير، وتقوم اللجان الإلكترونية بالتفاعل مع هذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي للإيحاء بأنه مهم ويحظى برواج جماهيري، في حين أنه مجرد جزء من سلسلة الدعاية الإخوانية.

ويهدف اللجوء لأكثر من مصدر (سواء القنوات أو المواقع الإلكترونية) إلى الحصول على مصداقية أكبر للشائعة لأن تلقي الرسائل الاتصالية من أكثر من مصدر أدعى لتصديقها. كما تقول نظريات علم الإعلام والاتصال وعلم نفس التي اعتمد عليها مخططو استراتيجية التضليل الإخوانية.

وتتسم أيضا الشائعات الإخوانية بأنها سريعة ومواكبة مع الأحداث. بهدف إحداث أقصى قدر من التأثير لدى الجماهير. وفي بعض الأحيان تستهدف هذه الاستراتيجية حصول ما يُعرف بـ”تأثير النائم”. وفي هذا النوع من التأثير يروج متلقو الشائعات المعلومات التي استقوها من وسائل الإعلام الإخوانية متناسين المصدر، ويروجون هذه المعلومات والشائعات باعتبارها حقائق ثابتة. وهذا قد يؤثر في انطباعات الناس والصورة العامة المتكونة لديهم.

ويحاول القائمون على نشر هذه الشائعات إظهار أن الأخبار المضللة التي ينشرونها منقولة عن خبراء بارزين ومتخصصين في المجالات التي يتحدثون. فيها من أجل إضفاء صبغة المصداقية على الأكاذيب الإخوانية، التي لا تتوقف ماكينة دعاية الجماعة عن إنتاجها.

وعلى ذات الصعيد، تركز الشائعات الإخوانية على التلاعب بعواطف الناس .وإثارة الريبة والخوف في نفوسهم عن طريق اختيار موضوعات تتماس معهم بشكل مباشر مثل الشائعات التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية أو التي تتعلق بتهديدات وشيكة محيطة بهم. كما حدث في نشر شائعة عصابات تجارة الأعضاء البشرية التي نفتها وزارة الداخلية المصرية أمس.

خلخلة البنية الاجتماعية

من جانبه قال اللواء الدكتور طارق جمعة، الباحث في الإسلام السياسي. إن ترويج الشائعات عبارة عن استراتيجية وضعتها قيادة الإخوان بهدف إحداث خلخلة في البنية والكيان الاجتماعي في مصر. وهذه استراتيجية مُتبعة منذ سنوات يتم توجيهها من قيادة الجماعة العليا وتطبيقها من الكوادر القاعدية التي تعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجية بدقة.

وأضاف “جمعة” أن هذه الشائعات هدفها تشكيك المجتمع المصري في القيادة السياسية والعمل على إسقاط الدولة.مشيرا إلى أن هناك أسبابا تكنولوجية أسهمت في انتشار الشائعات .وأيضا أسبابا سيكولوجية واجتماعية لا سيما في العصر الحالي الذي يلجأ فيه عدد كبير من الناس لاستقاء المعلومات من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وعلى رأسها موقعا “فيس بوك” وإكس” (تويتر سابقًا).

وأوضح الباحث في الإسلام السياسي أن لجوء الناس لشبكات التواصل الاجتماعي. باعتبارها مصدرا رئيسيا للمعلومات سهّل من مهمة الجماعة التي أنشأت شبكات إعلامية في خارج مصر تعمل بتناغم فيما بينها وتخدمها فرق من اللجان الإلكترونية المتخصصة في نشر الشائعات.

وذكر اللواء الدكتور طارق جمعة أن جماعة الإخوان تتبع منهجا شعبويا يهدف إلى نشر دعوتها، وأنها أضافت له خلال السنوات الماضية محورا جديدا وهو نشر الشائعات الرامي لزعزعة الاستقرار في مصر. تحديدا الوضع الاجتماعي في مصر حتى يضرب التآزر الداخلي. وهذا دليل على فشلها وفقدانها أدوات التأثير.

بدوره، اعتبر إبراهيم أحمد، الصحفي المتخصص في تدقيق الحقائق والشؤون السياسية. أن الهدف الرئيسي لنشر الشائعات مرتبط بمحاولة تكوين ظهير شعبي متعاطف مع الإخوان من خلال تكرار نشر الدعاية الإخوانية لأن الجماعة فقدت ظهيرها الشعبي. مضيفا أنها تحاول ضرب استقرار المجتمعات أو الدول عن طريق نشر الشائعات.

وأشار “أحمد” إلى أن تكرار الشائعات بصورة مركز واستراتيجية هدفه محاولة تهيئة العقل الجمعي لبناء أرضية شعبية للجماعة بهدف لضرب السلطة والاستقرار في مصر. بشكل يسمح للجماعة بالعودة في مرحلة تالية. موضحا أن اعتماد الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي يُسهل من نشر هذه الشائعات وتداولها.

وذكر الصحفي المتخصص في تدقيق الحقائق والشؤون السياسية أن جزءا من استراتيجية الشائعات المضللة يعتمد على نشر شائعات تتضمن جزءًا من المعلومات الصحيحة. لكن مع تحويرها لخدمة غرض ما، وهذا فخ يقع فيه الكثيرون الذين يُصدقون هذه الشائعات.

ولفت إلى وجود نوع من الشائعات يُسمى بالشائعات الموسمية التي تتكرر من آن لآخر. فمثلا في ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 تُروج لجان الجماعة فيديوهات وصورا مفبركة. وتنشرها باعتبارها مظاهرات جديدة وهو ما لا يحدث. كما أن الجماعة تعتمد على نشر الروايات المكذوبة التي تنشرها حسابات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما موقع “إكس”.

واعتبر الصحفي المتخصص في تدقيق الحقائق أن الجماعة ونتيجة الفشل المتكرر وفقدانها الفاعلية والتأثير تعمل على نشر الشائعات. ظنا منها أنها تُهيئ الشارع لحالة شبيهة بما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وهذا بدا في عدد من الرسائل الدعائية التي نشرتها خلال اليومين الماضيين. منها نشر واقعة وفاة شاب ووصفه بأنه “خالد سعيد” جديد. في إشارة للشاب خالد سعيد الذي أدت الاحتجاجات على مقتله إلى اندلاع مظاهرات الـ25 من يناير/كانون الثاني. لافتا إلى أن ما لا تدركه الجماعة أن الوضع تغير وأن الأجيال الجديدة تنظر للإخوان بسلبية ولا تتأثر بشائعاتها. بل على العكس باتت تعطي نتائج مغايرة لما تأمله جماعة الإخوان.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى