“الإخوان” في سوق النخاسة التركي
إحدى فضائل برجماتية الرئيس التركي أردوغان السياسية أنه يعيد خلال هذه الأيام تذكير البعض -ممن اعتقدوا أنه “طيب”-بتلك المقولة التاريخية المنسوبة للزعيم النازي أدولف هتلر عندما سئل عن أحقر الناس الذين مروا عليه، فكان رد الديكتاتور الألماني هم الذين ساعدوني على احتلال بلدهم.
ذكرنا أردوغان بتلك المقولة عندما سلمت حكومته مواطناً مصرياً قد لا يكون عضواً في جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وهو أحمد عبدالحفيظ ،الضالع في عملية قتل النائب العام السابق هشام بركات إلى السلطات المصرية. إلا أن الأمر لا يخلو من “بروفة سياسية” يعدها الرئيس التركي للذين هربوا من عدالة بلاده لأننا اعتدنا منه أنه عندما يستشعر أن المصلحة غابت فهو يتخلى عن أصحابه واتباعه، ففي ظل البرجماتية الأردوغانية .
بشكل عام، من الصعب أن تتكلم عن الثوابت في اللعبة السياسية، ويزداد الأمر صعوبة لدى أردوغان لأن لديه سجل حافل في المتاجرة السياسية على المستوى الداخلي عندما تخلى عن رفقاءه ممن أوصلوه إلى السلطة بدءاً من فتح الله غولن ومروراً بالرئيس التركي السابق عبدالله غول الذي مهد له الطريق للوصول إلى السلطة وكذلك منظر حزب العدالة والتنمية وصاحب نظرية “صفر مشاكل” أحمد أوغلو.
أما على المستوى الخارجي فهو من أدار مسرحية سياسية كبيرة في حق شعب غزة والقضية الفلسطينية واستطاع من خلالها أن يكسب الرأي العام العربي والإسلامي بعضهم سياسيون فيما عرف عن سفينة مرمرة أو أسطول الحرية، وكذلك مغادرته لجلسة تضمنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بيريز في منتدى دافوس وبالتالي فإنه ما حدث مع الإخوان شيء وارد ومتوقع وربما سيحصل مع نظام الحمدين وينبغي ألا يدعي أحد بأنه متفاجئ.
إن لغة السياسة الدولية الحقيقية كما هي معروفة عبر كل العصور وهي: المصالح ، فلا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم ولكن تبقى المصالح هي التي تقرر من هو الصديق ومتى يتحول إلى عدو، وإذا كانت مصلحة “الطيب” أردوغان في حماية الإخوان المسلمين الفارين من بلدانهم الأصلية في فترة معينة فإنه من اليوم لن يكون “طيباً” لسببين: الأول إقليمي ودولي لأن موازين القوى تغيرت ولم تعد مصر كما كانت خلال عام 2013، فهي استطاعت بدبلوماسية متعددة الأطراف أن تخلخل الموقف التركي المتصلب في المنطقة سواء من خلال الضغط عليها عن طريق تطوير علاقاتها مع الدول المجاورة لها مثل قبرص واليونان، أو من خلال عودة الدور المصري الدولي واقتناع المجتمع الدولي بأهمية تلك العودة لتلعب دوراً إقليمياً يوازن الكفة مع تركيا وإيران.
أما السبب الثاني: فالكل يعرف الأزمة الاقتصادية التي يعيشها أردوغان هذه الأيام والناتجة عن سياساته العدائية مع الغرب والناتجة أيضاً من “الهدر” المالي سواء في استضافة الهاربين من العدالة من البلدان الأصلية أو القنوات التلفزيونية التي كان يعول أردوغان عليها في التأثير على الرأي العام العربي والمصري تحديداً ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولكن يبدو الأمر لم يحقق أي نتيجة مطلوبة، مما كان له الأثر في ضغط المؤسسات الحكومية مثل الاستخبارات والأجهزة الأمنية على أردوغان ومطالبته بوقف “سياسة الدعم المجاني” غير المجدية، فورقة الإخوان للضغط، انتهت.
لذا فإن التوقعات تشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تغيرات جذرية في علاقة الإخوان المنبوذين في دولهم وهي الساحة الإقليمية التي يمكن أن تلعب فيها تركيا دورها الاستراتيجي، ما يعني أن المتاجرة بهم والمساومة عليهم في “سوق السياسة” أمر وارد بل إن الأمر لن يتجاوز قطر باعتبار أن كبيرهم الذي يعلمهم السحر “القرضاوي” موجود هناك ولكن لن يكون أكثر غلاء في السوق التركي إلا لدى أصحاب الأفق الضيق وعلى الذين لا يتعظون من مواقف أردوغان ولا يقرأون التحولات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
الأغلب لم يفاجأ بموقف أردوغان فهو مثله مثل غيره من السياسيين؛ لأنه لا يوجد إنسان طبيعي يرضى بشر على وطنه إلا الخائن ولذلك هو لن يكون أحرص على “الوطن البديل” أكثر ، وهو لا يستحق احترام أبناء بلده الأصليين الذين ستكون سقطتهم كبيرة لأنهم غفلوا أن أردوغان ليس له صديق.
حينما تكررت مشاهد تخلي أردوغان عن أتباعه وحلفاءه السياسيين وخلال فترات قريبة، وحينما تكون تصريحاته متناقضة بين تهديد إسرائيل في العلن والتعاون معهم في الخفاء، فإن هذا لا يعني أن الإخوان المسلمين لم يفهموا المعاني والدلالات السياسية لها لكنه يعني أنهم لم يعد لديهم خياراً سوى إطالة مدة البقاء قبل أن يقدمهم “قرابين” لإعادة العلاقات مع مصر والدول الخليجية!!