الأميرة للا حسناء تحمل رسالة البيئة المغربية إلى أبوظبي

في زمنٍ تتقاطع فيه أزمات المناخ مع أزمات المعنى، ويبدو الكوكب أشبه ببيتٍ يشتعل من الداخل بينما العالم يتجادل حول من يطفئ النار، جاء صوت الأميرة للا حسناء من أبوظبي ليعيد للبيئة بعدها الأخلاقي والإنساني.
بصفائها الهادئ وحجّتها العميقة، جسّدت رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة حضورًا مختلفًا في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة، التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، حيث لم يكن خطابها مجرد عرضٍ لمشاريع، بل بيانًا فلسفيًا حول علاقة الإنسان بالأرض، والعلم بالقيم، والتنمية بالعدالة.
رؤية ملكية تتحول إلى ثقافة مجتمعية
في كلمتها الافتتاحية، أعادت الأميرة للا حسناء التذكير بأن المغرب، تحت القيادة المتبصّرة للملك محمد السادس، لم يجعل من حماية البيئة شعارًا عابرًا، بل خيارًا استراتيجيًا للدولة الحديثة.
من خلال مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، تحوّلت هذه الرؤية إلى منظومة متكاملة تربط التربية بالممارسة، والمواطنة بالمسؤولية، والمستقبل بالفعل اليومي.
حين تحدثت سموها عن برنامجي “المدارس الإيكولوجية” و”الصحفيين الشباب من أجل البيئة”، لم تكن تروي قصة نجاح مؤسسي فحسب، بل كانت ترسم ملامح جيل جديد يتعلم أن حب الوطن يبدأ من احترام شجرة، وأن حماية الكوكب ليست عملاً خيرياً بل واجبًا مدنيًا.
من التوعية إلى التمكين: البيئة قضية مجتمع
في طرحها الهادئ والعميق، شددت الأميرة للا حسناء على أن حماية التنوع البيولوجي لا يمكن أن تُختزل في سياسات أو اتفاقيات، بل تتطلب تعبئة مجتمعية شاملة تشارك فيها الأسر والمدارس والجماعات المحلية والمقاولات على حدّ سواء.
البيئة، كما قالت، ليست مجالًا علميًا معزولًا، بل فضاءً للعدالة الاجتماعية. ولهذا جعلت المؤسسة من حملاتها — مثل “بحر بلا بلاستيك” ومشاريع حماية واحات النخيل ومناطق رامسار في الداخلة ومراكش ومارتشيكا — تجارب حيّة تُترجم مفهوم “التحول البيئي العادل”، حيث لا يُترك أحد خلف الركب.
الرياضة والذكاء الاصطناعي… لغتان جديدتان للوعي البيئي
بعيدًا عن النمط الكلاسيكي للخطاب البيئي، فتحت الأميرة للا حسناء في أبوظبي نوافذ جديدة للفكر والممارسة.
ربطت بين الرياضة والبيئة باعتبار الرياضة “لغة عالمية” قادرة على تعبئة المجتمعات حول القيم المشتركة، وشجّعت على استثمار الذكاء الاصطناعي في خدمة النظم البيئية، بشرط أن يكون استعماله أخلاقيًا وشموليًا، لأن التكنولوجيا، كما قالت، “ليست بديلًا عن الضمير”.
نداء إفريقيا إلى العالم: الشباب في قلب التحول الأخضر
وتوجّهت بنداءٍ مؤثر إلى شباب إفريقيا والعالم “أنتم لستم قادة المستقبل فحسب، أنتم ترسمون معالم الحاضر”، بهذه العبارة اختزلت فلسفة مؤسسة محمد السادس: التربية، والتعبئة، والابتكار، والشباب. إنها أركان رؤية تؤمن بأن التحول البيئي لا يصنعه الخبراء وحدهم، بل تصنعه العقول الشابة حين تمتلك المعرفة وتتحلّى بروح المسؤولية.
البيئة كقوة ناعمة للمغرب
ما قدّمه المغرب في أبوظبي لم يكن مجرد حضورٍ مشرّف، بل ممارسة فعلية لـ“دبلوماسية القيم”، التي تجعل من حماية البيئة جزءًا من الهوية الوطنية ومن صورة المملكة في العالم.
من خلال الأميرة للا حسناء، يبعث المغرب برسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن الدول النامية ليست ضحية للبيئة، بل شريك فاعل في إنقاذها، وأن التنمية المستدامة يمكن أن تكون جسرًا بين العدالة الاجتماعية والعدالة المناخية.
في أبوظبي، لم تتحدث الأميرة للا حسناء فقط باسم المغرب، بل باسم كل من يؤمن بأن المستقبل لا يُبنى على سباقٍ نحو الربح، بل على وفاقٍ بين الإنسان والطبيعة.
كان خطابها أشبه بنداء ضميرٍ عالمي، نداءٍ من الجنوب يذكّر الشمال بأن الأرض لا تملك حدودًا، وأن العدالة البيئية هي آخر ما تبقّى من الإنسانية المشتركة.