الأمم المتحدة والأزمة الليبية؟
هل أصبحت الأمم المتحدة والبعثة التي يقودها غسان سلامة في ليبيا، جزءاً من الأزمة الليبية، بعد التعاطي الخاطئ المبني على قراءة عوراء للأزمة الليبية، وبعد أن تورَّطَ سلامة في تجاوز خطير للخطوط الحمر في ليبيا، خصوصاً بعد أن كرَّرَ المغالطات في تقاريره المتكررة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل إنَّ البعثة برئاسة سلامة، أصبحت تتجاهل شرعية البرلمان الليبي، وتنتقي مع من تتقابل ومع من تتحدث من دون المرور على رئاسة البرلمان الليبي الشرعي؟
في إحاطاته أمام مجلس الأمن أهملَ سلامة الحديث عن كثير من الأمور المهمة، وضخَّمَ أخرى صغيرة، وصمت عن جلب المرتزقة والسلاح التركي إلى الميليشيات في طرابلس، وهي إحاطات سلامة افتقرت إلى الحقيقة والواقعية، بل إنها ظهرت منحازة لفريق «حكومة الوفاق»، حيث تجاهل سلامة الرفض الشعبي، بل وحتى بين أعضاء المجلس الرئاسي للسراج، بعد استقالة برقة وفزان من تركيبة المجلس الرئاسي، ما جعله يسقط بحكم انتفاء اشتراط وجوده، واستمرار البعثة الدولية في التعاطي معه يجعلها شريكاً في الأزمة الليبية، وصمتها عن صرف أموال بالمليارات من خزينة شعب من دون أن يصدر فيها قانون صرف أو اعتماد ميزانية من البرلمان أصلاً، أو حتى وجود رقيب كما تقتضي إجراءات الرقابة الاقتصادية.
البعثة الدولية للأمم المتحدة، مارست عمليات الترحيل المتعمد لأماكن الحوار، فمن غدامس الليبية إلى الصخيرات المغربية، مروراً بالعاصمة التونسية إلى جنيف السويسرية، وباريس وروما، بل واستخدمت البعثة عبر مبعوثيها عملية تفتيت الأزمة وإغراقها في الفرعيات، بينما أعضاء البعثة تلاحق بعضهم شبهات من الليبيين، نتيجة التوجيه الخاطئ بتقارير منحازة أو من خلال اختيارات البعثة لممثلي لجنة الحوار، التي ما غاب عنها محب أو صديق، بل وإخواني قيادي كبير تمت تسميته عضواً مستقلاً ضمن لجنة الحوار في حوار الصخيرات، الذي أنتج اتفاقاً معيباً تم خرقه عشرات المرات من دون أدنى استنكار من البعثة الدولية، بل بالعكس استمرت بالاعتراف بالمجلس الرئاسي حتى بعد استقالة أغلب أعضائه، ما أدَّى إلى استحواذ فئة وطيف واحد على المجلس الرئاسي من دون أن يكون هناك ممثلون للطرفين الرئيسيين الآخرين، ورغم هذا الخرق الفاضح لم تعلن البعثة الأممية – كرقيب على الاتفاق – أن الاتفاق نُكث ببنوده، وأصبح في حكم العدم.
اتفاق الصخيرات كان برعاية حكومة ابن كيران الإخوانية، ما صبغه بضيافة إخوانية بامتياز، ولهذا فشل ما سمي «الاتفاق» ولم ينل حتى شرف «الوفاق» أو التوافق عليه، وإصرار البعثة الدولية للأمم المتحدة على استمرار اتفاق ميت سريرياً كاتفاق الصخيرات، جعل من البعثة الدولية طرفاً في الأزمة وليست وسيطاً للحل.
حكومة الصخيرات المعترف بها من بعثة الأمم المتحدة، قامت بتوطين وشرعنة الميليشيات، بل وحتى تمكينها من حماية الحكومة الهشة، بدلاً من إقرار بنود اتفاق الصخيرات بإعادة انتشار الميليشيات خارج المدن ثم حلها كما نص الاتفاق، دون أن تجد إدانة أو حتى لوماً من البعثة الأممية راعية اتفاق الصخيرات.
ما يحدث الآن في ليبيا هو حرب على الإرهاب والمناصرين له ولا يمكن توصيفها خارج هذا التوصيف، لأنَّ ما يحدث هو عودة للدولة وهيبتها التي نالت منها الفوضى الممنهجة، ورغم هذا لا تزال بعثة الأمم المتحدة وعبر مندوبيها تقرأ الأزمة الليبية بعين عوراء.
سلامة المبعوث الدولي للأمم المتحدة كما تنص صفته التي حاول الخروج عنها بمحاول القفز على الأجسام السيادية الليبية مثل البرلمان، ومحاولته التعامل مع بعض النواب المنشقين أو المفصولين من البرلمان الشرعي، واختيار من يمثل البرلمان من بينهم في حوار جنيف، في تجاهل تام لرئاسة البرلمان، يجعل البعثة الدولية متورطة في تعقيد الأزمة الليبية.
البعثة الدولية في ليبيا تحتاج إلى إعادة نظر في تركيبتها بدءاً من رئيسها إلى طريقة وآلية عملها وصلاحياتها، لأنَّها أصبحت جزءاً من الأزمة الليبية في كثير من المواقف، ما جعلها غير مرغوب فيها على الأراضي الليبية، خاصة وقائمة الاتهامات لها أصبحت طويلة ومليئة بالمشاكل، خصوصاً أن الأمم المتحدة لها سابقة في محاولة تقسيم ليبيا، والعبث بها من خلال ما عرف بمشروع بيفن سفورزا الذي أسقطه الأجداد والآباء المؤسسون لليبيا الحديثة.
نقلا عن الشرق الأوسط