متابعات إخبارية

الأسد والحصانة القانونية.. هل تفتح فرنسا باب المحاسبة في سوريا؟


في قرار أثار جدلًا واسعًا بين المدافعين عن العدالة الدولية وخبراء القانون، قضت محكمة التمييز الفرنسية بإلغاء مذكرة التوقيف الصادرة عام 2023 بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

القرار الفرنسي استند إلى أن الحصانة الشخصية لرؤساء الدول أثناء توليهم السلطة لا يمكن رفعها، حتى في قضايا جرائم كبرى كالتي وقعت في سوريا.

وبينما اعتبر نشطاء حقوق الإنسان القرار، «انتكاسة مؤلمة لمبدأ محاسبة مرتكبي الجرائم الجماعية»، على حد قولهم، أشار القضاة إلى أن التحقيقات بحق الأسد يمكن أن تستمر، وأنه بات عرضة للملاحقة منذ الإطاحة به في ديسمبر/كانون الأول 2024.

ورغم تمسك المحكمة بمبدأ “الحصانة الشخصية”، إلا أنها فتحت المجال أمام ملاحقة الشخصيات غير الرئاسية من النظام السوري، بإسقاطها الحصانة الوظيفية عن «العملاء الأجانب»، في إشارة ضمنية إلى شخصيات أمنية وسياسية أخرى قد تُستهدف لاحقًا.

العدالة الدولية

من جهتها، قالت أنيس ليفالوا، أستاذة العلاقات الدولية والمتخصصة في الملف السوري، ونائب رئيس معهد الدراسات المستقبلية والأمن في أوروبا إن القرار الفرنسي «يشرعن من جديد فكرة الحصانة السياسية، ويضعف الأمل في بناء منظومة عدالة دولية حقيقية».

وأوضحت أستاذة العلاقات الدولية أن «الحديث عن احترام القانون الدولي لا يمكن أن يكون انتقائيًا. عندما يتعلق الأمر بشخصية بحجم بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم عدة، فإن المضي في إجراءات العدالة ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وقانوني».

وتابعت ليفالوا: «من الناحية السياسية، يظهر هذا القرار تراجعًا ضمنيًا عن الموقف الفرنسي السابق الذي اعتبر الأسد غير شرعي منذ عام 2012. إذا كانت باريس لا تعترف بشرعيته، فلماذا تصر على احترام الحصانة التي تُمنح لمن هم في مناصب شرعية؟».

ووصفت ليفالوا القرار بأنه «جزء من مسار أوسع في أوروبا يعيد ترتيب الأولويات»، اعتبرته «يعطي إشارات خاطئة للأنظمة القمعية بأن الجرائم يمكن أن تُنسى مع الزمن أو التغيّرات السياسية».

المواجهة القضائية المباشرة

من جانبه، قال فريدريك بيشون، الباحث الفرنسي المتخصص في الشأن السوري والمحاضر في جامعة “دو تور” إن القضاء الفرنسي «اختار طريقًا أقل تصادمًا مع القانون الدولي التقليدي، لكنه في الوقت نفسه فوّت فرصة لإعادة تعريف مفهوم الحصانة في زمن الجرائم الجماعية».

وأوضح بيشون، أن «القرار يعكس ترددًا واضحًا. فهو لا يغلق الباب تمامًا أمام ملاحقة الأسد، لكنه يتفادى المواجهة المباشرة. وكأن القضاء يقول: نعم هناك جرائم، لكن ليس الآن، وليس بهذه الطريقة».

وأضاف: «المفارقة أن فرنسا، التي تعد من الدول السباقة في تبني مبدأ الولاية القضائية العالمية، تراجعت هنا أمام ضغط سياسي وقانوني مزدوج: من جهة المؤسسات، ومن جهة التوازنات الجيوسياسية التي تغيرت بشكل ملحوظ بعد عودة بعض الأنظمة للتطبيع مع دمشق».

وأشار الباحث إلى أن «توقيت القرار، بعد سقوط نظام الأسد وفراره إلى روسيا، يفهم ضمنيًا على أنه تحذير قانوني لدمشق، أكثر من كونه فعلًا قانونيًا بحق الأسد نفسه»، على حد قوله.

وتابع: «المعضلة ليست فقط قانونية، بل أخلاقية. لأن هذا القرار قد يفسر على أنه تواطؤ غير مباشر مع ثقافة الإفلات من العقاب، طالما أن القادة يمكنهم الاحتماء بمناصبهم حتى وإن ارتكبوا ما يُصنَّف كجرائم ضد الإنسانية».

هل انتهت فُرص «العدالة»؟

بيشون قال إن قرار محكمة التمييز الفرنسية يغلق بابًا قانونيًا، لكنه يفتح نقاشًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية حول حدود الحصانة، ومفهوم العدالة، ودور القضاء الوطني في ملاحقة الجرائم الدولية.

وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى انه إذا كان الأسد قد أصبح خارج السلطة رسميًا، فإن «التحدي الآن يكمن في ما إذا كانت فرنسا ودول أخرى ستمتلك الشجاعة القانونية والسياسية لملاحقة جرائم الماضي، أم أن الحصانة ستبقى درعًا، كما يصفها كثير من المدافعين عن العدالة».

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى