سياسة

افتتاح أكبر سفارة أمريكية في العالم بأربيل يرسّخ الشراكة بين الجانبين


يبعث افتتاح واشنطن لأكبر قنصلية لها في العالم بأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، برسالة بالغة الوضوح تؤكد العزم الأميركي الراسخ على تمتين العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون مع الإقليم المتمتع بحكم ذاتي، والذي تعتبره الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً وواحة للاستقرار والأمان في منطقة مضطربة.

تدشين تاريخي بحضور قمة القيادة الكردية

وشهد حفل التدشين، الذي جرى الأربعاء حضوراً رفيع المستوى يعكس عمق الشراكة، ضم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، إلى جانب ممثلين أميركيين من أبرزهم نائب وزير الخارجية الأميركي مايكل ريغاس.

ووصف مسعود بارزاني هذا الحدث بأنه “يوم تاريخي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإقليم كردستان”، مشيرا إلى أن الدعم الأميركي للإقليم منذ التسعينيات شكّل الأساس الذي مكّن أربيل من بناء مؤسساتها، سواء خلال مرحلة منطقة حظر الطيران أو في الحرب المصيرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

قاعدة ارتكاز لوجستية

ويحمل حجم المجمع، الذي قُدرت تكلفة تشييده بنحو 795 مليون دولار، دلالات عميقة، حيث تبلغ مساحته نحو 206 ألف متر مربع (ما يعادل 20 هكتاراً)، مما يجعله الأضخم عالمياً، ما يؤكد مكانة أربيل كمحور دائم وثابت في الإستراتيجية الأميركية الإقليمية.

وتوفر القنصلية قاعدة عمل لوجستية وأمنية واستخباراتية ودبلوماسية تتيح المرونة للولايات المتحدة للتعامل مع التحديات المعقدة، خاصة في سوريا والعراق، ومراقبة أنشطة القوى الإقليمية الأخرى المؤثرة.

ويضم المجمع مرافق سكنية وخدمية متكاملة (مطاعم وأسواق)، بالإضافة إلى المكاتب الدبلوماسية والقنصلية والأمنية، وبإمكانه استيعاب نحو 1000 موظف ضمن مجالات عمل مختلفة.

تعزيز المصالح الاقتصادية وتأمين الطاقة

ويعد إقليم كردستان بيئة استثمارية جاذبة للشركات الأميركية مقارنة ببقية أنحاء العراق، حيث تتوافر فيه درجة أعلى من الاستقرار والأمان. وتفتح القنصلية الجديدة آفاقاً واسعة لتوسيع القسم التجاري لتسهيل الاستثمارات في قطاعات الطاقة والزراعة والبنية التحتية.

وتشكل موارد الطاقة في الإقليم أهمية بالغة للاستراتيجية الولايات المتحدة لتنويع المصادر وتأمينها، والقنصلية هي نقطة ارتكاز لدعم هذا القطاع الحيوي.

تحويل التحالف العسكري إلى شراكة استراتيجية

ويتجاوز هدف التدشين الجانب الاقتصادي ليلامس عمق الشراكة الأمنية، حيث يفتح آفاقاً واسعة للتعاون العسكري بما يمهد الطريق لتحويل العلاقة من مجرد تحالف عسكري تكتيكي (مكافحة داعش) إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد.

وينتظر أن يشمل التعاون المستقبلي تحويل المساعدات من مرحلة مكافحة الإرهاب إلى تطوير المؤسسات الأمنية، واستدامة الأمن في الإقليم، وضمان توازن القوى فيه.

وتشير تحليلات إلى أن واشنطن تعتزم استخدام ثقلها الدبلوماسي لتعزيز استقرار الإقليم داخلياً وخارجياً، من خلال دعم الحقوق الدستورية لأربيل وحل القضايا العالقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، خاصة ملفات الموازنة وعائدات النفط، بهدف تثبيت مكانة كردستان داخل الإطار العراقي.

ويشمل الدور الدبلوماسي الأميركي العمل على تقوية مؤسسات الحكم الرشيد والمجتمع المدني لضمان استمرار الاستقرار الداخلي، بينما لا يستبعد أن ترى الحكومة الاتحادية في بغداد حجم القنصلية الأميركية وتنامي العلاقات بين واشنطن وأربيل كـ”تجاوز” لصلاحياتها، مما قد يزيد من التوتر الدائم بين المركز والإقليم حول القضايا السيادية والإدارية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى