اعتراف دول أوروبية بفلسطين.. المصالح “أولا” والإنسانية “أخيرا”
يرى خبراء في العلاقات الدولية أن إعلان النرويج وإيرلندا وإسبانيا، الأربعاء، الاعتراف رسميا بدولة فلسطين اعتبارا من 28 مايو/أيار الجاري، يحمل دوافع عديدة ترتبط في الأساس بمصالح هذه الدول وتحالفاتها المستقبلية، ثم الجوانب الإنسانية التي تأتي ثانوية.
ومن المتوقع أن تلتحق دول أخرى مثل بلجيكا بهذه الدول وتعترف بفلسطين، لكن من المرجح أيضا أن تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا على التصدي لعدم توسع موجة الاعتراف بفلسطين دوليًا.
ولدى إعلان الاعتراف بدولة فلسطين، قالت النرويج إن قرارها “يتماشى مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”، وعدت “قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن البديل الوحيد الذي يقدم حلاً سياسيًا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.
بينما قالت إيرلندا إن قرارها ينبع من إيمانها بـ”الحرية والعدالة كمبادئ أساسية للقانون الدولي”، وأن “السلام الدائم لا يمكن ضمانه إلا على أساس الإرادة الحرة لشعب حر”. واعتبرت قرارها “بيان دعم لا لبس فيه لحل الدولتين، وهو الطريق الوحيد الموثوق لتحقيق السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين وشعبيهما”.
بدورها أفادت إسبانيا إنها اتخذت قرارها بعدما أيقنت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “لا يعمل من أجل السلام” و”يرفض الاستماع إلى المجتمع الدولي” في هذا الصدد، “بينما يواصل قصف البنية التحتية المدنية (في غزة) ومنع المساعدات التي تشتد الحاجة إليها”.
الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاءهما يستثمرون فرصة الحرب للعمل على ”تشكيل هندسة جديدة لشرق المتوسط وغربه، والهيمنة على شمال إفريقيا؛ بغرض صناعة دائرة واسعة تهدف إلى تأمين مصالحها.
ويستبعد خالد يايموت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد بنعبد الله المغربية أن تكون المبررات التي ساقتها الدول الثلاث لخطوة الاعتراف بدولة فلسطين السبب الرئيسي لقرارها.
وقال يايموت للأناضول، إن خطوة هذه الدول تأتي “بسبب التحولات الجيوسياسية (التي فرضتها حرب غزة) ودفاعا عن مصالحها”. واعتبر أن “الجانب الإنساني والسياسي” للخطوة هو أمر “ثانوي” بالنسبة للدول الثلاث.
وأوضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاءهما يوظفون الفرصة التي منحتها لهم الحرب على غزة في مخطط لـ”تشكيل هندسة جديدة لشرق المتوسط وغربه، والهيمنة على شمال إفريقيا”؛ بغرض “صناعة دائرة واسعة تهدف إلى تأمين مصالحها”.
واعتبر أن المصالح الاستراتيجية المستقبلية للعديد من الدول الأوروبية باتت “مهددة” في ظل هذا المخطط، ما لم “تُغير من طبيعة تحالفاتها وشراكاتها الاستراتيجية”. حيث تتمتع الدول الثلاث (النرويج وإيرلندا وإسبانيا) “بمواقع جغرافية ستكون عرضه للتأثر بالتحالفات الجاري تشكيلها حاليًا”.
ومفصلا وجهة نظره بالنسبة لأيرلندا، قال يايموت إن “الانتماء الأنجلوسكسوني لهذه الدولة لا يؤهلها للعب دور كبير (على الساحة الدولية) مستقبلاً إذا لم تنخرط في كتلة إقليمية، لها شراكات بعيدة عن بريطانيا بشكل معين؛ مما يمكنها من تبادل المصالح مع الأخيرة”.
وبالنسبة للنرويج، فإن “التحولات الجيوسياسية لبحر النرويج تمنح أهمية استراتيجية لهذه المنطقة” دوليًا، خاصة أنه “يشكل مستقبل التجارة العالمية المارة من القطب الشمالي”.
وبخصوص مالطا وسلوفينيا التي كانت من المتوقع أن تعترف أيضا بدولة فلسطين، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في البلدين، اعتبر يايموت أن “مالطا تبحث أيضًا عن دور في الساحة الدولية في ظل تمتعها بموقع مهم جدًا على مستوى البحر الأبيض المتوسط”.
كما تعمل سلوفينيا على “استغلال هذه التحولات لخلق شراكات تؤهلها لأن تلعب دورًا كبيرًا على مستوى وسط أوروبا”، و“على النحو ذاته يأتي الموقف الإسباني مرتبطا بالتغييرات الجيوسياسية التي تحدث الآن، وهي التغييرات التي سرعتها الحرب على غزة”.
واعتبر أن “مصالح إسبانيا المستقبلية أصبحت مهددة من التيار الدولي الأنجلوسكسوني بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا”. وأوضح أن خطوة إسبانيا “تأتي في إطار تقوية موقفها التفاوضي في أي هندسة للاقتصاد العالمي بعد حرب غزة؛ لذلك تتحرك سياستها الخارجية في اتجاهات متعددة”.
ولفت إلى أن “أحد هذه الاتجاهات يتمثل في معاكسة الولايات المتحدة وبريطانيا بخصوص القضية الفلسطينية، وهذه المعاكسة ستؤدي حتما إلى جلب واشنطن ولندن إلى طاولة التفاوض مع مدريد، بحكم أن الأخيرة مشرفة على مضيق جبل طارق، وهو معبر مهم جدا للتجارة العالمية، بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي الهام بالمنطقة”.
خطوة إسبانيا تأتي في إطار تقوية موقفها التفاوضي في أي هندسة للاقتصاد العالمي بعد حرب غزة؛ لذلك تتحرك سياستها الخارجية في اتجاهات متعددة.
وبخلاف الموقف المبني على مصالح هذه الدول في اعترافها بدولة فلسطين كما شرح يايموت، يقول الأكاديمي المغربي إن “الجانب الفرعي في هذا الموقف، هو ما يركز عليه الإعلام، وهو الجانب الإنساني والسياسي”. واعتبر أن الجانب الإنساني والسياسي للقرار الإسباني مثلاً هو أمر “ثانوي”؛ حيث “يؤدي فقط إلى تقوية الجبهة الداخلية لدى التيارات السياسية الإسبانية، التي تتنافس حول مساندة القضية الفلسطينية حاليًا”.
وتوقع أن تلتحق دول أخرى وتعترف بفلسطين. ورأى أن “تأثير اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين سيكون بطيئا ما لم تتحول هذه الدول إلى كتلة مؤثرة المستوى الدولي”.
وبحسب الأكاديمي المغربي، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ستعمل على التصدي لهذه الموجة بهدف عدم توسع الاعتراف بفلسطين دوليًا.
وبخصوص دور فرنسا في هذه التحولات، اعتبر يايموت أن باريس “ستعمل من تحت الطاولة على تفكيك هذه الحركية، حتى ولو ظهرت فرنسا بشكل علني على أنها مؤيدة لهذه التحولات، خاصة أن تريد أن تحقق التوازن مع الكتلة الأنجلوسكسونية المكونة أساسا من واشنطن ولندن”.
من جانبه، رأى الحقوقي المغربي عزيز هناوي أن اعتراف النرويج وإيرلندا وإسبانيا بدولة فلسطين “يدخل في إطار مخرجات عملية طوفان الأقصى، وما ترتب عليها من حرب إبادة جماعية (إسرائيلية في غزة)”، لكنه اعتبره “قرارًا متأخرًا” من الدول الغربية.
وأضاف هناوي أن “هذا الاعتراف إيجابي من الناحية الرمزية، وهو جزء مما أحدثه طوفان الأقصى على المستوى الدولي”.
وأشار هناوي إلى أن “خطوة اعتراف هذه الدول بمثابة صحوة ضمير إيجابية، لكن سقف عدالة القضية الفلسطينية يفوق هذا الاعتراف، في ظل معاناة الشعب الفلسطيني لمدة طويلة جراء الدعم الغربي لإسرائيل”.
وتابع: “آثار طوفان الأقصى جعل العواصم الدولية تصطدم بشعوبها وجامعاتها ونخبها؛ مما جعلها مضطرة إلى التزحزح قليلا والعمل على الاعتراف بدولة فلسطين”.
ومنذ 18 أبريل/ نيسان الماضي، بدأ في جامعات أمريكية حراك طلابي غير مسبوق متضامن مع غزة بمواجهة الحرب الإسرائيلية، ثم اتسع لاحقا إلى جامعات في أوروبا ودول أخرى حول العالم.
وانتقد الحقوقي المغربي استعمال واشنطن لسلطة النقض “الفيتو” ضد الاعتراف بدولة فلسطين.
وكانت الولايات المتحدة استخدمت سلطة النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، في أبريل الماضي، ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة.
واعتبر هناوي أن “صمود الشعب الفلسطيني سيتغلب على ظلم المواثيق الدولية والدعم الغربي المستمر لإسرائيل”.
وبحسبه، فإن “هذا الاعتراف المرتقب بفلسطين، سيكون مؤطرًا من طرف هذه الدول بالحفاظ على أمن إسرائيل”.
وتشن إسرائيل للشهر الثامن على التوالي، حربا على قطاع غزة خلفت أكثر من 115 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرارا من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورا، وأوامر من محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.