استهداف نطنز ودلالات زيارة وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب
بعيداً عن تناول الأجندة التقليدية للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، التي تشمل قضايا استراتيجية وأمنية،
وحواراً دائماً تناول فيه الجانبان تطوير وتنمية العلاقات بصورة دورية بصرف النظر عن تصنيف الإدارة الأمريكية جمهورية أو ديمقراطية، فإن الزيارة الأولى لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تشير إلى حرص أمريكي لافت لتوجيه رسائل للحكومة الإسرائيلية الراهنة بأن أمن إسرائيل قضية لا خلاف أو تباين فيها، وأنها تحظى باهتمام أمريكي مستمر ولن تتغير، وهو ما حرص الوزير الأمريكي لويد أوستن على نقله في إسرائيل، مؤكدا أن أمن إسرائيل يعلو على أي اعتبار آخر، وأن الإدارة الأمريكية ستسعى لتطوير العلاقات المشتركة مع الاستجابة لكل ما تطالب به إسرائيل من تعاون عسكري ومساعدات استراتيجية تصل إلى 39 مليار دولار تحصل عليها إسرائيل منذ إدارة الرئيس أوباما، وتعمل على زيادتها إلى 56 مليار دولار في الفترة المقبلة، إضافة لتكثيف التعاون في مجال أنظمة الصواريخ والدفاعات المستحدثة من خلال المشروعات المشتركة والتي بدأت منذ ولاية الرئيس أوباما وتعمقت في إدارة الرئيس ترامب.
وبالتالي فإن الرسالة الأمريكية لإسرائيل بأن التحالف المشترك في مواجهة المخاطر والتهديدات الإقليمية سيحتل مكانة لدى الإدارة الأمريكية بصورة كبيرة، وأنه لا مساومات أو تنازلات – إن صح التعبير – عن هذا الهدف الذي سيعمل عليه الطرفان في الفترة المقبلة، خاصة أن الضربة الإسرائيلية لمفاعل نطنز، والعمل على تخريب خطواته عبر إجراءات استخباراتية واضحة كان محور نقاش أمريكي، فالمفاعل المستهدف تعود أهميته باعتباره محور برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، ويخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، والمحتمل استخباراتياً أن تكون هناك قنبلة قد زرعت داخل المفاعل أدت إلى تدمير شبكة اتصالاته، أو إلحاق أضرار كبيرة به، وسيتطلب إعادة تشغيل المفاعل مجدداً 9 أشهر، ويعود تاريخ تدشين هذا المفاعل الذي يبعد 155 ميلاً جنوب طهران إلى عام 2000، وبعد عامين فقط بدأت المراحل الأولى لتركيب أجهزة الطرد المركزي به، وقد تعرض المفاعل المستهدف، ومنشآت نووية إيرانية أخرى في 2010 لهجمات “ستوكسنت” “Stuxnet” الإلكترونية التي تسببت في تعطيل أجهزة الحاسبات في نطنز، كما تعرض لحريق مجهول في يوليو 2020 في الجزء الذي يقع فوق الأرض، والذي تعرض لأضرار جسيمة.
والرسالة التي تريد التأكيد عليها إسرائيل، وكانت محور حوار أمريكي إسرائيلي أن إسرائيل ستستمر في استهداف المنشآت النووية وأن نطنز هو المستهدف لدوره الكبير في التخصيب، وأنها لن تتراجع بصرف النظر عن طبيعة التحفظات والتوجهات التي قد تبديها واشنطن على شكل أو إطار الاستهداف الاستخباراتي الجاري طالما يتم في سياق مباشر، ومن خلال ضغوطات حقيقية وإجراءات مدروسة بعيداً عن المواجهات التقليدية في المواجهة، وما دامت تؤتي ثمارها الاستراتيجية الموجعة لإيران، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من أن الصراع مع إيران وتوابعها ومشروعها النووي مهمة ضخمة جداً، وأن الوضع القائم اليوم لن يكون بالضرورة قائماً غداً، بل وأقر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي – قبل استهداف مفاعل نطنز – أن الجيش الإسرائيلي يقوم بعمليات سرية في الشرق الأوسط، ويستهدف مسارح عمليات محددة وعلى رأسها إيران، وقد جاءت تصريحاته بعد أيام قليلة من قيام الكوماندوز الإسرائيليين بتفجير ألغام لاصقة في هيكل سفينة تابعة للحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر.
المعركة الخفية الدائرة بين إسرائيل وإيران لم تعد سرية، وأن التصعيد بين الجانبين قفز إلى مرحلة جديدة وفي ظل التوقع بسيناريوهات مفتوحة مستجدة.
وبالرغم من أن هناك متطلبات ملحة لرد إيراني مقابل – على الأقل أمام الرأي العام الإيراني – بعدما قامت إسرائيل بعدة عمليات سابقة على المفاعلات النووية إضافة للاستهداف الأخير، إضافة لقيام الموساد باغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة، فإن الموقف الإيراني يمضي في اتجاه ضرورة الرد المؤجل على إسرائيل، وبين حد الرد المقابل الذي يمكن أن يسبب مزيداً من التوتر للأوضاع في المنطقة تتعقد معها المساعي الدبلوماسية النووية لرفع العقوبات عن إيران والعودة إلى الاتفاق النووي السابق، وبين هذين الموقفين المفترضين، يُفترض أن تختار إيران، تأجيل الرد ومواجهة المخطط الإسرائيلي الراهن، وذلك لأن الردّ قد يكون مكلفاً، وبصورة كبيرة من عدم التفاعل، والرد المباشر أو غير المباشر، ويحقق المخطط الإسرائيلي بتعطيل العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما لا يتفق والهدف الاستراتيجي لإيران في الوقت الراهن، واتضح بصورة مباشرة في مباحثات فيينا بصرف النظر عن النتائج التي خرجت بها من خطوات إجرائية.
ولا جدال أن الإدارة الأمريكية ستستفيد من هذا الهجوم على المفاعل الإيراني، إذ تعاني الإدارة من ضغوط داخلية من قبل صقور الديمقراطيين ومن الجمهوريين لعدم التسرع في رفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، قبل التفاوض على اتفاق جديد تحصل فيه الولايات المتحدة على تنازلات من الإيرانيين برغم التسليم الأمريكي بوجود حاجة ملحة للدخول على خط التفاوض مع إيران لمنعها من الاستمرار في زيادة نسب تخصيب اليورانيوم.
في كل السيناريوهات المستقبلية ستستمر إسرائيل في القيام باستهداف عدة أنشطة نووية إيرانية ولن تتوقف. وبرغم ذلك لا تؤكد إسرائيل ولا تنفي مثل هذه الاتهامات، بل وقد تكثفها بهدف إيقاع إيران تحت ضغوطات دائمة ومباشرة منعاً لمراوغات جديدة قد تقدم عليها إيران في المدى المتوسط.