سياسة

استهداف أرامكو.. يطول الجميع


استهداف محطتي تكرير النفط في المملكة العربية السعودية، يوم السبت الماضي، نبّه دول العالم إلى خطورة تهديد استقرار المنطقة التي تعد استراتيجية في السياسة الدولية من حيث: الملاحة الدولية، ومن حيث إنها مصدر الطاقة العالمية.

التفاصيل عن مصدر إطلاق الطائرات المسيرة التي قامت بالعمليتين، حتى كتابة المقال، لم تتضح بشكل نهائي، وما يتردد هو مجرد شكوك واحتمالات لكنها تبدو أنها تحمل جانباً كبيراً من الحسم والفهم بأن إيران هي من تقف وراء هذا الهجوم الجبان وبأنها الفاعل الرئيسي في العملية، يثبت في ذلك النظرة التاريخية لإيران حول مكانة المملكة العربية السعودية في التنافس على النفوذ الإقليمي. 

لا يغير من الأمر شيئاً إن كان مصدر الإطلاق من مليشيات “الحوثي” في اليمن، أو من الحشد الشعبي في العراق؛ لأن ما يهم الرأي العام العالمي أن هناك طرفا يرفض الانصياع للقانون الدولي ويتعامل مع المجتمع الدولي وفق نظام “بلطجي الحارة”، الذي يحمل حجرا في يده يهدد به أمنها مع سبق الإصرار والترصد، وبالتالي فإن ذلك الاستهداف في منطقه العام ليس المقصود فيها السعودية أو دول الخليج -التي يحاول خدعها بعض المرات بالتودد لها بخطابات الجوار والتفاهم المشترك- فحسب وإنما هي رسالة يخيف فيها العالم.

مثل هذه العملية التي يستفز فيها دول العالم من خلال تهديد مصالحها في المنطقة ليس أمراً جديداً أو أنه يحدث لأول مرة، إنما الجديد فيها أن هذه المرة مس ولامس تلك المصالح بشكل مباشر ودقيق، ويبدو أن القوى الكبرى في العالم فهمت الرسالة واستوعبتها بشكل جيد، إما لأن النظام الإيراني يعيش وضعاً اقتصادياً وسياسياً صعباً أو أنه يحاول جر الدول الخليجية إلى أزمته لفك نفسه منها، وقد جاء الرد هذه المرة بشكل واضح وصريح من خلال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي أكد أن مصدر إطلاقها كان من إيران دون أن ينتظر التحقيقات، بل إن ذلك الاستفزاز أيقظ العديد من دول العالم وكان بالنسبة لها جرس إنذار، خاصة مستوردي النفط السعودي بما فيهم الأوروبيون بأن النظام الملالي لم يعد يفرق بين الصديق والجار ومن يهدد استقرارها، وهذا أحد مساوئ الغطرسة التي عادة ما تقضي على صاحبها. 

لمسؤولي إيران كلام صريح عن تعاملهم مع المجتمع الدولي في حالة عدم تراجع الولايات المتحدة عن تطبيق العقوبات الاقتصادية عليها عندما قالوا: إنه لن تنعم الممرات الدولية بالأمان ولن يكون في وسع أي دولة تصدير النفط الخليجي، وفي كلام مسؤوليها أيضاً أن العقوبات تعني أن المصالح الغربية في المنطقة ستكون مستهدفة، ولن يكون هناك أفضل من استهداف المحطات النفطية السعودية، التي لولا إحساس قيادتها بحجم المسؤولية الدولية عندما قامت بتوفير النقص الذي حدث يوم السبت من مخزونها الاستراتيجي لحدثت أزمة ربما تسببت في ردة فعل غير عقلانية ضد إيران. 

في هذا العدوان الإرهابي كلام صريح وواضح عن رفض إيران للدور السعودي المتنامي ضد طموحاتها الإقليمية، فهي بجانب دولة الإمارات العربية تقود تحالفاً عربياً هو الأول من نوعه في المنطقة من أجل صد تغلغلها في المجتمعات العربية وخلق أذرع سياسية لها تخدم أجنداتها التخريبية، وبالتالي فالبصمة الإيرانية في هذا العمل الجبان موجودة حتى وإن نفى مسؤولوها دورهم فيه. 

لكن الشيء الذي ينبغي أن يدركه الإيرانيون أو من يمثلونهم في المنطقة بأن استهداف المنشآت الحيوية في السعودية، سواء المطارات أو معامل تكرير النفط أو الهجوم على ناقلات النفط، تسيئ للنظام الإيراني أكثر وتثبت سوء نيتها، وتؤكد صدق المخاوف الدولية من استمرار نهجها الثوري الخارجي تجاه الاستقرار، وبالتالي تشرع مسألة استمرار العقوبات الاقتصادية وكذلك الضغط الدبلوماسي والعسكري؛ لأن مسألة التساهل معها هو بمثابة دعم الإرهاب والتطرف في العالم. 

والرسالة الأهم أن سياستها العنيفة في المنطقة لا تترك مجال لأي دولة خليجية أو عربية أن تفكر في محاولة الابتعاد عن التحالف العربي وعن الوقوف بجانب السعودية حتى تلك التي هي ليست أعضاء في هذا التحالف؛ لأن في النهاية لا يمكن لدولة عربية لديها حس وطني وقومي مهما بلغ الخلاف معها أن تقبل الاعتداء الإيراني على بلد عربي إلا إن كان هناك خلل في فهم الفرق بين الشقيق والعدو. 

ما يهمنا نحن في دولة الإمارات أن هذا الاستهداف يطولنا ويمسنا بالقدر نفسه من التهديد على السعودية؛ لأن الأمن في المنطقة لا يمكن أن يتجزأ، فهي، أي السعودية، العمق الاستراتيجي لكل دول الخليج في مواجهة أطماع إيران وغيرها من دول الجوار الجغرافي التي تعد منطقتنا ساحة تتنافس فيها!!

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى