قطعت دول الخليج صلتها بمنظومة الحكم الفاسدة والخاضعة والراضية بمصادرة السيادة الوطنية لمصلحة المحور الإيراني.
أعلنت هذه الدول رفضها الاعتداءات المتواصلة عليها بعد طول صبر وسعة صدر، وبعد تغليب المصلحة العربية الجامعة وحماية اللبنانيين الذين ينحرهم “حزب الله” من أجل المشروع الإيراني. تعالت عن الشتائم والاتهامات والشيطنة المستمرة لها ولدورها وسياساتها، فقط تلبية لاحتياجات طموح إيران في الإقليم، كما تصرفت بحكمة حيال الاعتداءات الأمنية المتواصلة، سواء في المملكة أو غيرها عبر خلايا حاضرة للعبث بأمن هذه الدول وأمانها، كخلية العبدلي في الكويت، حتى وصلت إلى ما يريد لها المحور أن تصل إليه، فكانت القطيعة مع هذه المنظومة التي أخضعها وروضها وأدارها “حزب الله” ليكرس نوعا جديدا من الاحتلالات التدميرية في لبنان، كما في سورية والعراق واليمن، وكما حاول وفشل في البحرين قبل سنوات.
وصلت هذه الدول إلى طريق مسدود. لم يعد ينفع لتبرير الضرر اللاحق بها من “حزب الله” هذا التمييز بينه وبين الدولة اللبنانية سلطة ومؤسسات رسمية. فالحزب سيطر على الدولة وصادرها ونخر أسسها ليتحكم بها فتتماهى به وتدور في فلك محوره.
المضحك/المبكي أن المنظومة المعينة من الحزب صدمت بهذا القرار المتوقع انطلاقا من السياسات الخارجية اللبنانية والممارسات الإجرامية التي يفرضها المحور الإيراني بحق هذه الدول، مع أن هذه القطيعة في مكان ما لم تختلف عن قطيعة الشعب اللبناني للسلطة الذي كان قد خرج قبل عامين إلى الشوارع احتجاجا عليها ورفضا لها وإدانة لفسادها وارتهانها لمصالح غير لبنانية على حساب كرامته وسيادة الدولة.
اللبنانيون هتفوا قبل عامين “كلهم يعني كلهم“. أحس محور الممانعة بالخطر، فدرة تاجه اللبنانية تكاد تَسْقُط وتُسْقِط مشروعه باستعادة إمبراطورتيه. سارع إلى تحريك ذراعه الميليشيوي بإدارة “حزب الله” الذي دفع بالمخربين ليعيثوا اضطرابات أمنية في صفوف المتظاهرين بغية الإطاحة بمساعي التغيير السلمية عبر الشارع. أحرقوا خيم المعتصمين. خوَّنوا قادة التحرك وهددوهم. اتهموهم بالعمالة لسفارات أجنبية، بينها المملكة العربية السعودية، أخرجوا رعاعا يحطمون ويقتلون ويتقاتلون للقضاء على حركات الاحتجاج ويحملون شعارا مذهبيا بوجه وحدة الرافضين هذه المنظومة ومن يحميها.
-
البحرين تدعوا مواطنيها إلى مغادرة لبنان
-
الإمارات تؤكد الإنتهاء من عملية عودة بعثتها الدبلوماسية من لبنان
ولم يكتف المحور الإيراني بهذا القدر، فقد التف على مطالب اللبنانيين بعيش كريم في دولة لها سيادتها، وراح يبتكر أزمات متتالية بدأت بالقبض على ودائع اللبنانيين ونهب جنى عمرهم وصولا إلى إذلالهم للحصول على الدواء والخبز والوقود. قضى على القطاعات المالية والاقتصادية والاستشفائية والتربوية والأكاديمية. فتح قعر الانهيار إلى أسفل سافلين، ودمج الأزمات المعيشية بأزمات سياسية، بحيث فقد اللبناني إي توازن معيشي، ما أرغمه على هجرة قسرية بحثا عن الأمان والكرامة.
ولم يكتف “حزب الله” بنجاحه في تحويل لبنان “مستعمرة إيرانية” فقيرة بشعب جائع، وسلخه عن هويته العربية التي نصت عليها مقدمة الدستور، وتحقيقه مراده بفعل عمل دؤوب لدفع دول الخليج إلى قرارها هذا وسحب السفراء، ليسارع إلى عملية تحريف لما جرى، فيقلب الحقائق، ويحّمَل القرار مسؤولية ما ارتكبه هو عن سابق تصور وتصميم وعلى امتداد الأعوام، ويلصق مزيدا من الاتهامات بالدول الخليجية وفق الأجندة الإيرانية، ويحاول إرساء مفاهيم وهمية مع ضخ خطاب قائم على الأكاذيب، ممعنا بأخذ كل اللبنانيين رهينة، مرة جديدة لمشروع رأس محوره.
والأنكى هو هذا التشاطر في إذكاء نغمة الكرامة والسيادة ودعوة اللبنانيين إلى شد الحزام بغية مواجهة هذه الدول، مصوِّرا إياها وكأنها تتعامل مع لبنان بدونية، وتفرض عليه قراراته، وتحاول تقويض التوافق والود في مجلس الوزراء المشلول أصلا بفعل منع الحزب اجتماعاته بهدف تخليص نفسه من ورطة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
والأنكى هو تجاهل مسؤولي “حزب الله” لكل الخطابات وكل التهديدات وكل الإملاءات وكل الاعتداءات الأمنية والحروب والاغتيالات وعمليات النهب الممنهج استباحة الحدود للتهريب والإتجار بالمخدرات، في الداخل كما في الخارج، التي كانت ولا تزال تضع الشعب اللبناني في مرتبة دونية ومذلة مقابل مصالح المحور الذي يعمل لديه ويدين له بالولاء والخضوع وينفذ له أجندته على النقطة والفاصلة، والأهم على حساب كل لبناني، سواء كان مقيما أو مهاجرا ومغتربا.
ويبقى الأهم، فالمحور الإيراني الذي وصل إلى مبتغاه مع كل ما حققه “حزب الله” في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحيثما تمكن في الدول العربية او حتى أبعد منها، رفع مستوى الأزمة اللبنانية ليفاوض بورقتها ليس فقط على صعيد الانهيار الداخلي، ولكن أيضا على الصعيد المتعلق بعزلتها الخارجية.
من هنا وبانتظاره أي مفاوضات مرتقبة، سواء مع الولايات المتحدة، أو حتى مع السعودية، تأمل إيران استخدام الورقة اللبنانية والاستثمار فيها لمصلحتها بعد تكليفها “حزب الله” بقلب الحقائق وفق أجندتها، لتحصِّل أكبر نسبة من المكاسب الممكنة جراء التحريف والمكابرة.