خالد رستم يراهن الكثير من المسلحين في التنظيمات الإرهابية على دعم الصديق التركي كحليف استراتيجي لهم لكونه الداعم الدائم لهم، ولا يعتقد هؤلاء أن يفرط بهم السلطان التركي الذي أتى ليعيد أمجاد الخلافة العثمانية بإدلب، ويرون أن الجار المتاخم للحدود لن يتخلى عن فتح الحدود وتأمين متطلبات فصائل المعارضة تركيا في وضع حرج خاصة بتصاعد حدة الأزمات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها وما نجم عنها من تداعيات أخلت بالوضع التركي ومعاناتها من مرارة الإهمال الأمريكي والأوروبي منذ ست سنوات، وهي داعمة بوضوح لكل الفصائل المسلحة، وعلاقة أنقرة التي كانت متوترة مع موسكو بفعل إسقاط الطائرة الروسية عدا عما ينتاب الواقع التركي من تدهور في المجالات الاقتصادية والسياسية، وكأنها أصبحت على صفيح من نار لذلك تم حشر أردوغان في الزاوية، وليس أمامه من خيار إلا التفاهم مع الروس، والروس موقفهم واضح مع الجانب السوري. المعارضة السورية في الخارج وعلى المستوى السياسي لم تعد موجودة، فهي أصبحت مفككة وتعاني من اختلافات وتباينات في تعاطيها مع الأزمة السورية بعد انحسار دورها، والأتراك دخلوا في عملية التفاوض لدرء المخاطر في إدلب لأنهم يدركون أن الاشتباك مع القوات السورية لا يحقق لهم أي نفوذ ويشكل عبئاً كبيراً عليها، لاسيما إذا انهارت مفاوضات أستانة أو إذا تقهقر المسلحون المتطرفون صوب الحدود التركية محاولين الدخول بطرق عشوائية. فبعد مشاورات مكثفة بين دمشق وموسكو طرأت تفاهمات جديدة ما بين الروسي والتركي في سوتشي لإبعاد إدلب عن أية عملية عسكرية، على اعتبار أن المعركة العسكرية تؤدي في نهاية المطاف إلى كارثة واسعة النطاق، ومن ثم فإن تفكيك المجموعات المسلحة هدف استراتيجي ومرحلي، وعملية التنفيذ تبدأ بحلول الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وبالمحصلة فإن الاتفاق برمته ينقل حالة خفض التصعيد إلى نزع السلاح بشكل كامل ويعيد إدلب من جديد إلى وضعها الأساسي، ويبعد شبح الكارثة عن المدنيين ويكفل بمحاربة الإرهاب ولجم تحركات المتطرفين ونزع أسلحتهم. والاتفاق بالمحصلة يمنع المجموعات الإرهابية من استفزاز القوات السورية واستهداف القاعدتين الروسيتين في الساحل السوري، وقبل تنفيذ موعد بنود الاتفاق هناك عمليات عسكرية محدودة لتنظيف مواقع إرهابية إلى الجنوب من مدينة إدلب دون أية ممانعة من الجانب التركي أو مساندة المجموعات الإرهابية المسلحة، وستفضي الاتفاقية إلى إخلاء الفصائل الإرهابية الراديكالية إلى مناطق أخرى سيتم التفاهم عليها فيما بعد. وأوضح بوتين في هذا السياق “أن المتشددين سينسحبون، وسيتم سحب الأسلحة الثقيلة منهم ومن غيرهم من الجماعات المعارضة”، ولم يحدد الرئيس الروسي كيف سيجري إقناع الجماعات المسلحة، وإلى أين سيتم إرسالها”. وقد لا يسهم الاتفاق في استقرار الوضع كاملاً، إذ لا يعدو كونه تأجيلاً للمسألة التي لا يوجد لها حل أمام عناد المتطرفين المسلحين الذين لن يقتنعوا بوجاهة بنود الاتفاق لدرء المخاطر وإيقاف سيلان الدماء، وهؤلاء لا يعرفون سياسة التفاوض وعقلانية الحوار، إلا طريق القتل وسفك الدماء. ما جرى ليس بعيداً عن مشاورات واتصالات موسكو مع العديد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، لأنه اتضح فيما بعد أن مفاوضات روسية أمريكية توصلت إلى انسحاب ما تبقى من القوات الأمريكية من قاعدة التنف وتفكيك معسكر الركبان، وهذا يعني وجود خطة تم التفاهم من خلالها والتوافق عليها أخذت بالاعتبار كل الهواجس والمصالح للدول الإقليمية والدولية اللاعبة في الميدان السوري، وتعد القاعدة العسكرية الأمريكية التنف أهم نقطة في هذا الانسحاب، فهي تقع بالقرب من المنطقة الحدودية المشتركة بين العراق وسوريا والأردن، ومن المرجح أن الرئيسين الأمريكي والروسي تحدثا خلال لقائهما في مدينة هلسنكي عن مستقبل هذه القاعدة العسكرية. إن التوصل إلى الاتفاق بشأن إدلب يعد بمثابة اختبار نوايا الجانب التركي واختراق المجموعات الإرهابية المدعومة من أنقرة، وبالأساس يعطي تركيا فرصة جديدة للدخول في الحل دون أن تضع نفسها أمام معادلة انتحارية، لكن هل يظل أردوغان ضمن شروط ومضمون الاتفاق، والنتيجة الحتمية ما تم التوصل إليه يشكل تقهقراً للدور الذي أناطته تركيا بالجماعات المسلحة، وفي حال ظهور بعض المعوقات في تنفيذ جوانب الاتفاق حينها قد تنكفئ تركيا وتلجأ إلى أمريكا وإسرائيل لأنها بدأت باتخاذ ووضع ترتيبات جديدة لاستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب بغية الوساطة الإسرائيلية مع الإدارة الأمريكية لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، ومن ثم فإن استخدام تركيا في الحرب على سوريا حينها تكون قد أوقعت نفسها في مزالق عديدة وخطيرة في الشمال السوري، وهي بالتالي غير قادرة على رأب التصدعات الخارجية التي أحدثتها في العديد من دول المنطقة وانعكست بمجملها على الأوضاع العامة في الداخل التركي. العين الإخبارية