إيران وسلاح نووي: هل ضُرب البرنامج أم استمر في التقدم؟

رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجاح الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، فإن الوقائع تشير إلى أن تأثير الضربات كان محدودًا على قدرات إيران.
كما كان ترويج الإدارة الأمريكية لفكرة أن إيران ستحتاج إلى “سنوات” لإعادة بناء منشآتها، استنادًا إلى تقييم استخباراتي سري، دقيقا من حيث الشكل، إلا أنه يغفل جوهر التهديد الحقيقي، بحسب مجلة “فورين بوليسي”.
مخزون اليورانيوم الإيراني… لم يُدمر
تشير المعطيات إلى أن أغلب مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، والذي يقدر بنحو 400 كيلوغرام مخصب بنسبة 60 بالمائة، قد نجا من الضربات الأمريكية والإسرائيلية.
ويُعتقد أن هذه الكمية كانت مخزّنة في أنفاق عميقة داخل مجمع أصفهان النووي، وهي أنفاق لم تُستهدف بشكل مباشر بسبب عمقها الكبير، الذي يعجز حتى أقوى القنابل الأمريكية عن بلوغه.
وبحسب تقارير استخباراتية، فإن الولايات المتحدة اكتفت بمحاولة إغلاق مداخل هذه الأنفاق باستخدام صواريخ كروز، لكن إيران كانت قد سبقتها بخطوة عبر سدّ المداخل ذاتيًا، مما حدّ من فاعلية الضربة.
ويُرجح أن المخزون ما زال موجودًا وسهل الوصول إليه، في ظل غياب أي مؤشرات تؤكد تدميره.
الطريق إلى القنبلة… ليس بعيدًا
وفي حال قررت طهران المضي قدمًا نحو صنع سلاح نووي، فإن تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90 بالمائة سيكون الخطوة التالية. وتُظهر الحسابات أن إيران قادرة على تحقيق ذلك باستخدام أقل من 200 جهاز طرد مركزي، ما يتيح لها إنتاج كمية كافية لقنبلة نووية خلال 10 إلى 20 يومًا فقط.
وتشير التكهنات إلى أن إيران ربما تكون قد أنشأت بالفعل منشأة تخصيب سرية صغيرة، سواء في موقع صناعي غير مثير للشبهات أو في منشأة تحت الأرض يصعب استهدافها عسكريًا.
وإن لم تكن قد فعلت بعد، فهي تملك القدرة على إنشاء واحدة خلال أشهر باستخدام مكونات لم تعد تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ انهيار الاتفاق النووي عام 2021.
هل يشكل غياب منشأة التحويل عائقًا؟
تصرّ الولايات المتحدة على أن تدمير منشأتي التحويل في أصفهان، المسؤولة عن إنتاج اليورانيوم من غازه، يعرقل قدرة إيران على تصنيع قنبلة. لكن الوقائع التاريخية تُكذب هذا التصور.
فالتحويل إلى معدن اليورانيوم ليس من العمليات المعقدة، كما أظهرت تجربة مشروع مانهاتن الأمريكي. فقد تمكن العلماء الأمريكيون في أربعينيات القرن الماضي من تطوير هذه التقنية باستخدام معدات بدائية نسبياً، وأنتجوا عشرات الكيلوغرامات من المعدن أسبوعيًا.
وتشير التقديرات إلى أن إيران، التي أجرت تجارب عديدة في هذا المجال، قد أتقنت بدورها هذه العملية. وحتى في حال عدم توفر منشأة نشطة حالياً، فإن بإمكانها بناء واحدة سريعًا، باستخدام أدوات ومكونات متوفرة تجاريًا.
مرحلة النهاية: القنبلة
المرحلة الأخيرة في مسار صناعة السلاح النووي تشمل تصميم القنبلة وتجميع مكوناتها، وهي عملية يُرجّح أن تكتمل خلال عام أو أقل، ويمكن تنفيذها بالتوازي مع عمليات التخصيب والتحويل.
بالتالي، فإن الادعاء بأن إيران تحتاج سنوات لإعادة بناء برنامجها النووي السابق، يبدو نظريًا صحيحًا لكنه يتجاهل حقيقة أن إيران لا تحتاج إلى نسخة طبق الأصل من منشآتها السابقة لصنع قنبلة.
وخلصت المجلة إلى أن الهجوم الأمريكي لم يُضعف قدرات إيران بشكل جوهري، بل كشف حدود ما يمكن أن تحققه القوة العسكرية ضد منشآت محصنة تحت الأرض. والأهم، أنه قد يزيد من دوافع طهران لتطوير سلاح نووي، باعتباره وسيلة ردع في وجه ضربات مستقبلية.
ورغم صعوبة الخيار الدبلوماسي، لكنه يظل الأكثر واقعية. فإيران، عبر طرد المفتشين وتهديدها بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، رفعت من سقف نفوذها التفاوضي، مما يجعل الوصول إلى اتفاق مثالي أمرًا غير وارد.
لكن استعادة الوصول الكامل للمفتشين، خصوصًا إلى المواقع السرية، تمثل أولوية ملحّة تفوق بكثير الهدف السياسي المعلن المتمثل في “صفر تخصيب”.