أعط الإيرانيين أي عذر أو سبب، حتى يخرجوا في تظاهرات. فإن لم يكن ذلك دليلا على العزلة، فدليل على ماذا يكون؟
التظاهرات التي تعم بعض المحافظات في غرب إيران، احتجاجا على وفاة الشابة مهسا أميني على أيدي “شرطة الأخلاق”، وفرت عذرا آخر، إنما الدافع الحقيقي خلفها هو نفسه الدافع الذي جمع كل الاحتجاجات الأخرى، وهو أن الإيرانيين يعيشون في ظل بؤس وحرمان وخوض حروب زائفة في الخارج، يُعتقد أنها نجاة، بينما يعيشون فوق برميل بارود.
من انتفاضة الى أخرى، ومن فشل اقتصادي إلى آخر، فإن البرميل يكبر.
ما كاد يمر عام، على الأقل منذ عام 2005، إلا وكانت فيه احتجاجات تطالب بـ”رحيل النظام”.
الأحوازيون أشعلوها عام 2005، وقُمعت. ولكن، ما كان يبدو أنه انتفاضة ذات طبيعة خاصة لسكان من ذوي أصول عربية، اتضح في عام 2009 أنها كانت تعبيرًا عما يعتلج في صدور الغالبية العظمى من الإيرانيين، وأن ما تعانيه الأقلية العربية، إنما تعانيه كل الأقليات الأخرى.
الانتخابات، التي أطاحت بمرشحي الإصلاح وانتهت بهما إلى السجن في ذلك العام، بدأت في 12 يونيو وتواصلت إلى بدايات عام 2010، وهي ما سُمي “الحركة الخضراء”. ولم يمضِ عام حتى اندلعت مظاهرات أخرى بدأت في الأحواز، وسرعان ما امتدت إلى عدة محافظات.
الانتفاضة الأكثر سعة حدثت في نوفمبر عام 2019. وشملت 29 محافظة إيرانية من مجموع 31. وجاء الرد عليها من قبيل أن الذين يتظاهرون ضد النظام سوف يواجهون أقصى درجات العنف.
الاحتجاجات ظلت تتوالى، تارة بسبب ارتفاع أسعار البنزين، وأخرى بسبب الغلاء، وثالثة بسبب ما يتعرض له السجناء. وما يبدأ بمطالب حياتية بسيطة سرعان ما ينتهي بمطالب “إسقاط نظام”.. “ومعظم النار من مستصغر الشرر”، كما يقول الشاعر.
القمع دفع نشطاء المعارضة إلى تدبير أعمال تخريب وتفجيرات يمكن أن تطال أي منشأة عامة. فيما اتهمت السلطات جهاتٍ خارجية لأجل أن تخفي الحقيقة، وهي أن المقموعين، والذين يعانون شتى أنواع المظالم، هم الذين يقومون بهذه التفجيرات.. لكن السلطات لا تريد الاعتراف بوجود معارضة.
تكفي الحقائق، المعلنة رسميا، عن التضخم والبطالة والفقر وتفشي الأمراض لتقول كم هو عدد الذين يتعرضون للمظالم في إيران. وهي تكفي لتفسير لماذا ينقلب أي سبب من أسباب الاحتجاج إلى دعوات تطالب بـ”تغيير النظام”.
هذا النظام، كما ترى الغالبية العظمى من الإيرانيين، إنما يُهمل واجباته الأساسية ليخوض حروبًا في الخارج ويمارس تدخلات ويدعم مليشيات، وهو يعتقد أنها حروب تسهم في الدفاع عنه، وتحفظ نفوذه.
مفارقة عجيبة.. إلا أن هذا هو الواقع.
ومن تظاهرة إلى أخرى، فإن برميل البارود يتضخم. لا أحد يعلم متى سينفجر أو لأي سبب، إلا أنه سينفجر في نهاية المطالب، بأي سبب.
وفاة تلك الشابة على أيدي “شرطة الأخلاق” أثارت احتجاجات ضد القيود المتعلقة بارتداء الحجاب. ربما لتقول إن هذه القيود، والتبريرات التي تقف خلفها، لا تحظى بالقبول في أعين الإيرانيين. ولكنها لم تتوقف عند هذا الحد. لأن المسألة إنما تتعلق بطبائع النظام ومسالكه داخل إيران وخارجها.
هناك ما يبرر الاعتقاد بأن الفشل هو الذي يحكم على نفسه، ونظام الحروب الخارجية يعزل نفسه بنفسه، وأن أحدًا في الخارج لا يحتاج إلى أن يفعل أي شيء لزيادته.. فالحقائق المعلنة رسميا عن أوضاع البؤس هي البارود.. والنظام، بعمل أو آخر، هو الذي سوف يشعل فتيل الانفجار.