لو أطلق المرء العنان لمخيلته لكي تعمل بكامل طاقتها، فماذا يمكن لمنصب “رئيس اتحاد الإذاعات والتليفزيونات الإسلامية” أن يعني؟
المخيلة سوف تقول إن صاحب هذا المنصب يعمل على التنسيق بين تلك الإذاعات والتليفزيونات، ويرعى منتسبيها، ويشارك في وضع خططها البرامجية، ويسهم في تطوير الكفاءات فيها، ويشرف على برامج التدريب، ويوفر الضمانات الاجتماعية، ويبحث عن وسائل للتكامل فيما بينها، وتنظيم القيام بأعمال مشتركة، وتوظيف الكوادر بما يسمح بخدمة مراسلي محطة لأخرى، حتى أنه لا يجد وقتا كافيا لكي ينشغل بأي شيء آخر.
ولكن لن يخطر على بال أحد، أن يكون من بين واجبات ذلك المنصب إطلاق صواريخ “آر. بي. جي” وقنابل يدوية على من يعتبرهم خصوما أو منافسين.
ولكن كل شيء ممكن بالنسبة لإيران وموظفي مناصبها والمأجورين لها في العراق وغيره.
وثائق صادرة عن مجلس القضاء الأعلى في العراق أظهرت أن محكمة استئناف النجف الاتحادية، أصدرت مذكرة قبض بتهمة الإرهاب بحق “رئيس اتحاد الإذاعات والتليفزيونات الإسلامية” الممول من إيران، وواحد من مساعديه، وذلك لتورطهما بعملية إطلاق صاروخ “آر. بي. جي” على مبنى “مركز الرافدين للحوار” في حي الحوراء وسط النجف. كما سبق لهذا المركز أن تعرض لهجمات بقنابل يدوية أيضا.
هذه المفارقة قد تعني أن كل ما تقوم إيران بإنشائه وتمويله من مراكز، هو نواة لأعمال إرهابية، ولكن المفارقة ذاتها يمكن أن تعني أن إيران لو أنشأت مركزا لرعاية الأيتام، فإن الوظيفة الحقيقية لرئيسه هي قتل آبائهم. ولو أنها أنشأت مركزا لتربية الحمام الزاجل، فإن وظيفة رئيسه قد تعني اختطاف بعض المطلوبين لإيران. أما لو أنها أنشأت مؤسسة لتربية الدواجن، فإن الدواجن هم مجندون للحرس الثوري الإيراني ورئيسهم يعمل في زراعة المتفجرات وإعداد القنابل.
وسبق لمحكمة التمييز في الكويت أن أصدرت حكما في ديسمبر 2019، يقضي بتثبت ما قررته محكمة الجنايات ضد الأمين العام لـ”التحالف الإسلامي الوطني” بتهمة التستر على “خلية العبدلي” التابعة لـ”حزب الله”. وهي الخلية التي نفذت عدة أعمال إرهابية ضد مراكز حكومية رسمية، لزعزعة الأمن في البلاد. ولكن ما كان ذلك “التحالف” بروابطه المخابراتية مع إيران، وطنيا على الإطلاق. وعندما تم إلقاء القبض على أعضاء تلك الخلية الـ25 في 13 أغسطس من عام 2015، فقد عُثر لديهم على مضبوطات شملت 19 ألف كيلوجرام ذخيرة و144 كيلوجراما من المتفجرات و68 سلاحا متنوعا و204 قنابل يدوية، إضافة إلى صواعق كهربائية و56 قذيفة “آر بي جي”.
والسؤال المقلق لا يتعلق بما يمكن لخلايا الإرهاب أن تفعل، ولكنه يتعلق باختيار أسماء عجيبة للتغطية عليها، حتى لكأن الأمر يقصد استغفال الناس، قبل أن يتورطوا في جرائم. فبينما هم يعتقدون أنهم يقومون بعقد ندوات “ثقافية” على سبيل المثال، فإنهم ينتهون إلى عقد أعمال تخريب ومؤامرات وتنظيم جرائم قتل.
والأمثلة على نشاطات تخريبية تتخذ لنفسها ستارا من عناوين مزيفة، كثيرة في غير بلد عربي، ودفعت إلى قطع العلاقات مع إيران. ذلك أن المشروع الإيراني، مثله مثل كل شيء آخر في إيران هو مشروع باطني، يقول شيئا ويضمر آخر، يدلي بكلام معسول ويقصد عكسه. يقيم اتحادات إعلامية ومراكز ثقافية، إنما لتخريج الإرهابيين.
وما من دولة عربية إلا وترغب في إقامة علاقات حسن جوار مع إيران وغيرها قائمة على التعاون والاحترام المتبادل، إلا أن إيران، بما تقوم بفعله على أرض الواقع، إنما تستغل هذه الرغبة، للقيام بما هو عكسها تماما.
مع ذلك، فإن أعمالا من هذا النوع، لا تبدو ساذجة وبدائية فحسب، ولكنها ضارة بإيران نفسها أيضا.
وجود مجندين لتأدية خدمات إرهابية، لا يخدم مصالح إيران الحقيقية مع أي دولة في العالم. فبينما تعتبر كل دول العالم مكافحة التهديدات الإرهابية واجبا يحتل أعلى سلم الأولويات، فإن مؤسسات تصدير الإرهاب في إيران لا تضيف الكثير من المتاعب لتلك الدول. ولكنها تضيف الكثير من المتاعب لإيران نفسها بأن تجعلها عرضة للمزيد من العزلة، والمزيد من العقوبات.
الإرهاب ثوب لا يتناسب مع قوام أي دولة. لأن الضرر الناجم عنه أكبر بكثير مما يُحدثه من ضرر.
وتغطية مراكز الإرهاب بتسميات وهمية، لعبة تثير السخرية أكثر مما تثير الاستغراب. لا سيما أنها صارت تدفع إلى الاعتقاد بأن بقالا يبيع منتجات إيرانية، إنما يبيع في الواقع قنابل يدوية أو مخدرات من تصنيع “حزب الله” في لبنان. والمرء إذا دخل مقرا لاتحاد إذاعات وتليفزيونات “إسلامية”، يجب ألا يستغرب إذا وجد نفسه يتعثر بقذائف “آر. بي. جي”.