إيران ما بين اغتيال محسن فخري زاده وأيمن الظواهري
تتوالى الأحداث في إيران ومناطق نفوذها وفق جداول زمنية، عبر محطات تاريخية تسير إلى أنّ الخط البياني للقوة الإيرانية، من داخل إيران وفي مناطق نفوذها في الإقليم يشهد تراجعات، تفضي لسيناريوهات مفتوحة تؤشر إلى أنّ طهران تسير باتجاهات تغيير عميقة، ربما تكون هي أحد أطرافها ولكن بصيغة جديدة، تستجيب للاستراتيجيات الغربية والأمريكية وجوهرها إعادة تأهيل إيران لا احتواؤها.
بدأت تلك المحطات مطلع العام الجاري 2020 بتصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العراق، بما يمثله من رمزية لنفوذ إيران في الإقليم، ووصلت لاغتيال محسن فخري زاده الموصوف بأنه “أب القنبلة النووية” الإيرانية حتى تاريخه، رغم بقاء أكثر من شهر على انتهاء العام الحالي، والذي لا يستبعد معه أن تدشن محطات جديدة تشكل علامات فارقة للاتجاهات المستقبلية لإيران.
اللافت في تلك المحطات أنّه وخلافاً للصورة التي تبثها وسائل إعلام إيرانية رسمية بقوة الدولة الإيرانية بأجهزتها ودورها وتقدمها العلمي بما في ذلك برامج صاروخية باليستية وأخرى نووية جعلت منها موضع شكوك بأنها على مشارف إنتاج قنبلة نووية، بالإضافة لدخول إيران في برامج غزو الفضاء، وما تردد حول تهديدات إيرانية للانتخابات الأمريكية باختراقات للأمن السيبراني، وبالتزامن مع دور إقليمي يقوده الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن وغزة ومناطق أخرى، تشهد إيران “نجاحات” في وصول الأعداء لضرب أهداف نوعية داخل الجمهورية الإسلامية وليس في مناطق نفوذها فقط، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول قوة أو هشاشة الأوضاع الأمنية في إيران، وحجم الاختراقات الأمنية الواسعة، لدرجة أن أظهرت إيران بصورة الدولة المستباحة، وقدرة خصومها على استهدافها بأي وقت وبأي مكان.
اغتيال زاده يتزامن مع اغتيال قادة القاعدة في إيران بمن فيهم أيمن الظواهري، بمعزل عن حقيقة موته “مريضاً في أفغانستان أو في إيران”، ويأتي بعد العديد من العمليات الغامضة التي شهدها هذا العام، والتي استهدفت منشآت وأهدافاً حيوية إيرانية داخل إيران يتبع بعضها للحرس الثوري الإيراني، وقيدت وفق الروزنامة الإيرانية ضد فاعل “مجهول معلوم”، وجاءت ردود الفعل الإيرانية ما بين مطالبة المجتمع الدولي بالعدالة في إدانة “إرهاب الدولة” باتهام إسرائيل بالوقوف وراء العملية، وما بين تهديد ووعيد مكرر بقاموس يتضمن المفردات ذاتها بالانتقام وتلقين الأعداء دروساً لن تنسى، فيما تدفع أمريكا وبريطانيا ببوارجها العسكرية وحاملات الطائرات وقاذفات استراتيجية “بي 52” إلى المنطقة، “لطمأنة حلفائها في المنطقة”.
تتعدد السيناريوهات التي يمكن أن تفسر ما يحدث في إيران، منذ اغتيال قاسم سليماني، لكن تلك المحطات المتوالية تشير إلى ثبات الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لإيران وعلى مستويين؛ سياسياً واقتصادياً، من خلال عزل إيران عبر سلسلة من العقوبات “غير المسبوقة في التاريخ” وتوجيه ضربات نوعية للحرس الثوري وإيران داخل إيران وفي مناطق نفوذها عبر وكلائها، وهو ما أنتج حتى الآن تراجعات ملحوظة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى، وتحولات عميقة في الداخل الإيراني أسفرت عن قيادة المرشد الأعلى خامنئي ليكون على رأس قائمة المطالبين بالالتزام بالاتفاق النووي، الذي وصف موقعيه “حسن روحاني وجواد ظريف” بالخونة.
ورغم أنّ أصابع الاتهام في تصفية زادة وقبله أيمن الظواهري تشير إلى مسؤولية إسرائيل عن تنفيذ العمليتين، إلا أنهما تشكلان رمزية لتخلي إيران عن ملفين موضع جدال مع أمريكا والغرب وهما: علاقة إيران مع الإرهاب وملفها النووي، بعد إنهاء رمزية الحرس الثوري باغتيال قاسم سليماني.
إنّ تفسير اغتيال زادة وفقاً لسيناريو أنّ إسرائيل تسابق الزمن بعد مغادرة حليفها في البيت الأبيض “ترامب” والتأكيدات بأنّ الرئيس الجديد “بايدن” سيذهب لعقد صفقة جديدة مع القيادة الإيرانية، يبدو ظاهرياً منطقياً، لكن وبعيداً عن “اللطمية” الإيرانية والتهديدات الإعلامية الرسمية بالاستنكار والانتقام، ألم يكن من المصلحة الإيرانية، في إطار تقديم شهادات أولية بحسن السلوك، تمهيداً لإنجاز تسوية تضمن لإيران تحقيق استراتيجيتها بالحفاظ على النظام والدور الإقليمي، غياب القيادات المتشددة الإيرانية أو التابعة لها، التي أصبح حضورها وتأثيرها وفقاً للمنظار الإيراني يتفوق على حضور وتأثير المرشد الأعلى للثورة، وهل سنشهد في القريب العاجل “قبل نهاية العام الحالي” اغتيالات جديدة قد تشمل رموز وكلاء إيران في ساحات جديدة على غرار تصفية أبو مهدي المهندس مع قاسم سليماني؟