سياسة

إيران لعبت دوراً رئيسياً في تصنيع الأسلحة السودانية للجيش


على الرغم من الأداء الدبلوماسي الهادئ لوزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، والذي أعرب في تصريح له عن قلقه إزاء الأحداث التي تشهدها السودان مؤخرًا إثر الاقتتال الدائر بين قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، إلا أنه من المعروف عن إيران استثمارها في الدول التي تشهد صراعات عسكرية مسلحة، إذ ترى إيران في تلك الدول تربة وبيئة خصبة لتوسيع نفوذها اعتمادًا على حالة التفكك التي تشهدها، وياحبذا لو كانت تلك الدول تقع في دائرة الرغبة الإيرانية في التوسع والانتشار وزيادة رقعة وجغرافيا النفوذ.

ومن اللافت للنظر ما نوه إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. والذي بالرغم من تركيزه في بعض تصريحاته على الأزمة السودانية. إلا أنه في معرض حديثه عن تلك الأزمة شدد على ضرورة حل ذلك الصراع، مع ضرورة حث الدول العربية على مراقبة ما أسماه “الأداء الإيراني” في المنطقة. وهو ما يفسر بأن رؤية أبو الغيظ تتمحور حول دور إيراني جديد في السودان بصفتها دولة أزمة طالما استثمرت إيران فيها، وقد فسرت تلك الرؤية الكثير من الوقائع التاريخية حول الرؤية الإيرانية للاستثمار في الأزمات.

خلفية تاريخية

لم تتوقف إيران عن محاولاتها تمديد نفوذها في السودان منذ زمن بعيد، حيث سمحت العلاقات السودانية ــ الإيرانية لطهران بأن تستعرض قدرتها على التغلغل والتأثير في مراكز صناعة واتخاذ القرار في السودان وبالتحديد بعد صعود عمر البشير إلى حكم السودان عام 1989، حيث رفعت الحركات الثورية السودانية شعارات ثورية تشبه نظيرتها في إيران من ناحية مواجهة أمريكا وتعزيز شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية وما شابه.

وقد تصاعد التغلغل الاستراتيجي والعسكري الإيراني للسودان في مراحل لاحقة، كانت ترجمته بناء إيران مجمع مصانع “اليرموك” أو مصنع “جياد” بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وهو مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، والذي أقيم لخدمة إيران وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة، إلا أن ذلك المصنع قصفه الطيران الإسرائيلي فجر الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 2012.

فضلا عن ما سبق عزز موقع السودان الجيوستراتيجي رغبة إيران وفتح شهيتها أمام محاولة فتح آفاق لها داخل القارة السمراء، ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب، علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم.

تغلغل الفكر الإيراني

تعتمد إيران قبل توسيع رقعة نفوذها السياسية والعسكرية على تغلغلها الفكري في دول الصراع والأزمات، إذ تقدم أفكارها كسبيل للخروج من تعقيدات المشهد السياسي المتأزم، وتطرح ذلك في شكل رعايتها إقامة مكتبات عامة في بعض المراكز الثقافية، كالمركز الثقافي في العاصمة السودانية الخرطوم، ومكتبة الإمام جعفر الصادق بمنطقة العمارات، علاوة على عدة مكتبات أخرى في مدينة أم درمان.

كما أسست إيران في مراحل سابقة عدة مؤسسات تعليمية ألحقت بها أيضًا مكتبات أمدتها بنسبة كبيرة من الكتب التي تُرَغِّب القارئ في المذهب الشيعي الإثنى عشري، ومن أبرز تلك المؤسسات التعليمية مؤسسة الإمام علي بن أبي طالب وكذلك مدرسة فاطمة الزهراء بالعاصمة السودانية الخرطوم، ومعهد الإمام علي للقراءات بمنطقة الفتيحاب، وهي كلها مراكز أشبه بـ”الحسينيات” التي تم تأسيسها في أعقاب وصول الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى الحكم في عام 1989.

وعلى الرغم من التصريحات الإعلامية التي صدرت وأكدت إغلاق السودان للكثير من المؤسسات الإيرانية في الخرطوم والمدن الأخرى، والتي نفاها عبد اللهيان، حين كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، في ذلك الوقت، ولم يلبث أن تغيرت تصريحاته بمجرد إعلان وزير الخارجية السوداني أحمد كرتي في ذلك الوقت بصحة تلك القرارات، ليعود “عبد اللهيان” ليؤكد في مرحلة لاحقة بأن “إيران لن تسمح بوقيعة بين السنة والشيعة في السودان وأن هناك جماعات تخربيبة تستهدف العلاقات بين البلدين”.

مع ذلك يصعب التكهن بطبيعة التحركات السرية للعناصر الإيرانية في الداخل السوداني من جهة، وكذلك المؤيدين لتلك الأفكار التي تم اعتناقها في تلك المؤسسات، ومن أبرزها فكرة “التقية”، التي تسمح للإنسان بأن يظهر عكس ما يبطن ويبدأ التغلغل الفكري بشكل سري يصعب السيطرة عليه من جانب الحكومات السودانية المتعاقبة التي تعمل طوال تاريخها على فك التشابك بين المكونات العسكرية من جهة، والمكونات العسكرية والمدنية من جهة أخرى، وصراعات القبائل من جهة ثالثة، وهو ما يشي بصعوبة تقويض النفوذ الإيراني في الداخل السوداني إذا استمرت تلك النزاعات السياسية والعسكرية في الأراضي السودانية.

تتعمد إيران اختراق الدول التي تنشب فيها صراعات سياسية أو عسكرية مسلحة، وقد برزت فرصة إيران لتحقيق هذا الهدف في عدة مناطق كالعراق وسوريا بعد ثورات الربيع العربي والحرب الأهلية هناك، فضلًا عن اليمن ودعمها الحوثيين، ولبنان ودعمها حزب الله، وكذلك السودان بعد أن دعمت في وقت سابق نظام البشير، ورأت في السودان مغنمًا كبيرًا لتحقيق هدفها بالتغلغل داخل القارة السمراء وإقامة مصانع أسلحة لها هناك، وهو ما سهل لها توريد تلك الأسلحة لوكلائها كحركة حماس في قطاع غزة.

بالنسبة لإيران، وفي تلك الأثناء، يعد السودان أرضًا خصبة في ظل الصراع العسكري المسلح، والذي يعد فرصة لتعزيز التسرب الإيراني داخل السودان بناء على تصاعد وتيرة الأحداث السياسية هناك، وهو ما يمكنها من إقامة علاقات مع أحد طرفي الصراع وغالبًا سيكون قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، مستغلة عدم درايته بمحددات الأمن القومي في المنطقة فهو لم يدرس العلوم العسكرية والاستراتيجية من الأساس وحصل على رتبة عسكرية رفيعة بدعم من البشير الحليف السابق لإيران.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى