لا يزال المستوى العسكري الإسرائيلي يرى أن التعامل مع إيران يجب أن يتم عبر إجراءات رادعة ومباشرة، وعلى أكثر من مستوى عسكري وأمني وسياسي.
فضلا عن عدم الاعتماد على مقاربة واحدة في التحرك، واعتماد وسائل رادعة، خاصة أن التحول في مواجهة إيران بالنسبة لإسرائيل قد انتقل إلى مرحلة جديدة، بعد توقف التفاوض حول النووي وقبول الإدارة الأمريكية بضغوطات الحكومة الإسرائيلية بعدم رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، ما اعتبرته الحكومة الإسرائيلية بداية لتصويب المسار، وأثنت على نهج الإدارة الأمريكية، واعتبرته نصرًا مؤقتا حتى وقف الاتفاق النووي بالكامل، وعدم الالتجاء إلى مسار ثان مرتبط بخطة التعامل المشتركة، أو التحول لمسار بديل، كما كان مخططا بين تل أبيب وواشنطن، وهو ما برز في زيارة الوفد الإسرائيلي مؤخرا لواشنطن، والاتفاق على فتح المسار أمام بدائل أخرى يجري دراستها.
بينما يرى المستوى السياسي في إسرائيل أن الإدارة الأمريكية -رغم تواصلها السياسي مع تل أبيب- ستمضي في التفاوض، وإن توقف تكتيكيا في الوقت الراهن، لاعتبارات متعلقة بالموقف الأمريكي وقرب الذهاب إلى انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس وانخفاض شعبية الرئيس جو بايدن، ومخاوف الذهاب إلى اتفاق قد يكون مكلفا.
في هذا المستوى تُراهن إسرائيل على أن فريق المفاوضين في “البيت الأبيض” و”الخارجية” بل والرئيس الأمريكي “بايدن” يعملون في اتجاه الذهاب لاتفاق مع إيران، مع إبداء بعض التحفظات، حتى لو تأخرت بعض الوقت، خاصة أن التوصل إلى مرحلة العتبة النووية بالنسبة لإيران قد تم بالفعل، في ظل تقديرات أجهزة المعلومات الإسرائيلية، والتي تراهن على أن إيران باتت في كل الأحوال تمتلك الخبرات والإمكانيات والقدرات، التي تدفع بالذهاب إلى النووي عبر توقيع اتفاق تكتيكي واستراتيجي معا.
في ظل هذين المستويين، كان الرأي الأرجح هو الذهاب إلى استمرار العمل الاستخباراتي عالي المستوى، ما يؤكد أن إسرائيل ستذهب إلى استراتيجية كاملة من الممارسات العسكرية والاستخباراتية العليا تجاه إيران، لكي تؤكد جدارتها في المواجهة، مع وضع منظومة إجراءات وتدابير عاجلة لمجابهة إيران من الداخل، ودون انتظار لقرار الإدارة الأمريكية بوقف كامل للتفاوض، ولن يكون ذلك على مستوى واحد، بل سيكون على مستويات عدة:
أولها: القيام بأعمال استخباراتية غير مكلفة مقابل تأجيل العمل العسكري -رغم قيام الجيش الإسرائيلي مؤخرا بمناورات عسكرية واسعة النطاق استمرت أربعة أسابيع وحملت اسم “عربات النار”- مع الاستمرار في إحراج الجانب الإيراني أمام الرأي العام الداخلي، بصرف النظر عن إمكانيات الرد والتعامل، التي تُلوّح بها إيران، حيث تدرك إسرائيل حدود المواجهة، وتحدد خطوطها الحمراء، ومن ثم فإن إقدامها على العمل الاستخباراتي سيكون قائما ومستمرا.
ثانيها: لا تزال إسرائيل تعمل في اتجاه تدريجي بالانتقال من الأعمال الاستخباراتية إلى مناطق النفوذ الإيرانية، وهنا مكمن التأثير بإنهاك القدرات الإيرانية، ومحاولة تشتيتها سياسيا واستراتيجيا، الأمر الذي تتحسب له إيران جيدا، وتعمل على الخروج من دائرته الراهنة بمزيد من التشبث باستمرار التفاوض مع عدم المغالاة في شرطها “شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية”.
ثالثها: استثمار الحالة الأمريكية الراهنة داخليا، والتوقف عن التفاوض مع إيران، والعمل في اتجاه الداخل الأمريكي، حيث الكونجرس، فمن اللافت أن الصراع الراهن بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لم يعد عميقا، والتباين في وجهات النظر حول الملف الإيراني ليس كبيرا، بل يتم من خلال مقاربة محكمة تضع المصالح العليا الأمريكية في الأساس مع مراعاة المخاوف الإسرائيلية، ولكن بقدر، خاصة أن إسرائيل تضغط في اتجاه زحزحة أي أزمة مع الولايات المتحدة ترقبا لأي تغييرات حقيقية في المواقف الأمريكية أو انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن دون توقيع أي اتفاق مع إيران، مع الرهانات الإسرائيلية التي تتردد في مراكز صنع القرار بأن هذا الرئيس في كل الأحوال لن يذهب إلى ولاية جديدة، ومن ثم فإن التحرك في اتجاه عرقلة توقيع الاتفاق هو المهم، بالإضافة إلى العمل على المسارات البديلة، خاصة أن حالة الحراك الشعبي في إيران قد تؤدي لمزيد من إنهاك النظام الإيراني في مستويات الحركة، وليس إسقاطه، ومن ثم فإن إسرائيل ستستمر في المواجهة مع إيران عبر سلسلة إجراءات سياسية واستراتيجية تحظى بقبول ودعم المستويين السياسي والعسكري، برغم التباينات التي تبدو على السطح، والتي ترى أن مصالح إسرائيل العليا يجب أن تقرَّر في تل أبيب وليس في واشنطن، مع العمل على تحقيق إنجازات سياسية واستراتيجية، سواء في التعامل مع الإدارة الأمريكية، أو دول الترويكا الأوروبية، ومن ثم فإن تعدد مسارات التحرك الإسرائيلي سيحكمها من الآن فصاعدا أنماط ووسائل متعددة، وقد تبدو متناقضة ومتداخلة وتدريجية وتصعيدية.
في المقابل ستكون عين الإدارة الأمريكية على منهج التعامل الإسرائيلي بالأساس، من خلال مقاربة تعتمد على التنسيق وتوحيد المواقف وتكثيف الضغوط الإسرائيلية على إيران بطرق مختلفة، باعتباره نهجا يخدم مسارات الحركة الأمريكية في التعامل مع إيران.
العين الإخبارية