تنطلق دولة الإمارات العربية من مفاهيم إنسانية ذات أبعاد استراتيجية ورؤى واقعية ألا وهي أن البشرية بأسرها لن تصل إلى مرادها وغاياتها ما لم تتخل عن نوازع الشرور وعاديات الزمن، وما لم تقف الشعوب المحبة للأمن والأمان والسلام وقفة تآزر وتعاون مع الدول التي تجتاحها الكوارث الطبيعية، بعيداً عن الصراعات التي تنتاب المجتمعات، إذ لا طائل منها ولن تجديَ نفعاً تلك التناحرات والخلافات المستبينة بين الدول والأمم طالما أن الحق هو الفيصل والحَكم فيما بينها.
ومن يستعرض تاريخ دولة الإمارات وشعبها على يد المؤسس والباني المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، يدرك أنه منذ بدايات التأسيس الأولى قبل أكثر من أربعة عقود ونيف نادى بإقامة اتحاد الإمارات كي تكون قادرة على مواجهة التحديات المرتقبة مبرهناً بإيمانه العميق على قيم التعايش وتضافر الجهود الإنسانية، فكانت دعوة الشيخ زايد رحمه الله المتكررة إلى نبذ الحروب والصراعات المسلحة والحرص على حل أي خلاف مهما كانت درجة تعقيده بالطرق السلمية حتى وصفه وزير الثقافة الفرنسي الأسبق فريديريك ميتران بقوله: “إن الشيخ زايد كان مثالاً عالمياً لرجل السلام الذي يمتلك رؤية واقعية قائمة على أساس تعزيز روح التعايش السلمي من خلال ترقية المصالحة ونبذ الخلاف والنزاع وكذلك بتعزيز موقف دولة الإمارات العربية المتحدة في العالم، ما جعل بلاده تحقق نجاحاً باهراً على صعيد الدبلوماسية الدولية”.
وغدت إمارات التسامح وأرض الخير والعطاء الذي لا ينضب وعاصمة التلاقي الإنساني مركزَ إشعاعٍ ومحط اهتمامِ الأمم، إنها في سباق مع الزمن دأبت على الدوام أن تكون مع أشقائها العرب في الملمات، سباقة لاستزراع منابت العزة والفخار والسعي لمؤازرة الأشقاء أيام الأزمات وفي لحظات المحن والشدائد مجسدة بمفاهيمها النبيلة معاني الأخوة العربية، عدا عن مواقفها الدبلوماسية والتنموية، وهي لا تُعد ولا تحصى على امتداد أرجاء دول المنطقة، وفضلاً عن ذلك كانت وافرة الدعم والمساندة في دول القارة الأفريقية في حالات الجفاف التي شهدتها القارة، وفي بقاع شتى من العالم بتقديم المساعدات والمعونات الإغاثية والاجتماعية والصحية والمادية، خاصة أنها تتحرك دولياً لوضع حد لهذا الفيروس العابر للقارات وذلك انسجاماً مع دورها الإنساني.
وفي هذا السياق حظيت المحادثة الهاتفية التي أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي مع الرئيس السوري بشار الأسد، بأهمية بالغة وأحدثت ارتياحاً شعبياً بمعانيها وأهدافها السامية في هذه الظروف العصيبة التي تمر على سوريا؛ حيث بحث الجانبان مستجدات وتداعيات فيروس كورونا المستجد في المنطقة والعالم والإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة في البلدين للتصدي لهذا الوباء ومنع انتشاره وعلاج الحالات بكل واجب ومسؤولية، وإمكانية تقديم المساعدة في هذا الصدد بما يضمن التغلب على الوباء وحماية شعبها الشقيق، وضرورة أن تسمو الدول فوق المسائل السياسية في هذه الظروف الاستثنائية وتُغلب الجانب الإنساني في ظل التحدي المشترك الذي نواجهه جميعاً، معتبراً أن سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة، وقد رحب الرئيس بشار الأسد بمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مثمناً موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الإنساني في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من هذا التحدي المستجد، ومرحّباً بهذا التعاون خلال هذا الظرف وبهذه المبادرة بكل معانيها السامية.
دولة الإمارات تدرك أن العمل الجماعي لا يمكن أن يبنى بإرادات ناقصة، ولا بد من تجاوز أخطر الأزمات وكل ما يعوق تقدم الدول العربية، والعمل بالتالي على رأب التصدعات والانهيارات التي ألمّت بالمنطقة مما جعل أراضيها وأجواءها مستباحة، فكانت إعادة فتح سفارتها في سوريا نهاية 2018م انطلاقة باتجاه توحيد الجهود العربية وتفعيل الموقف القومي العربي.
إن إدخال السعد والسعادة على أخيك في الإنسانية ليست نافلة أو مكرمة وحسب بل هي تتسامى فوق كل الاعتبارات، فقد قال الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم: “إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”، ومن هنا تثبت دولة الإمارات أنها تعزز بمواقفها الصائبة الماثلة للعيان دورها الريادي باتجاه تأسيس أخلاق جماعية رسخها قادةٌ حكماء ورجالٌ عظماء صالحون أجلاء صدقوا ما عاهدوا الله عليه مبرهنين على أنهم حماة الوطن والإنسانية، ومجسدين الدور الخلاق بأن الإمارات مسكونة في قلب العروبة كما العروبة مغروسة بأصالتها على أرض التسامح والمسامحة وعاصمة الإنسانية جمعاء.
نقلا عن العين الإخبارية