إقتصاد

إقالة واستقالة.. هل تنقذان الاقتصاد التركي؟


القضايا الاقتصادية متجذرة في النظام السياسي الذي يضع الكثير من السلطة في يد الرئيس

في خطوة مفاجئة أقال الرئيس التركي محافظ البنك المركزي، ثم كانت المفاجأة الكبرى في اليوم التالي بتقديم بيرات ألبيرق وزير الخزانة والمالية وصهر الرئيس استقالته كما قيل لأسباب صحية. وتأتي هذه الإقالة والاستقالة التي أعقبتها على خلفية الأداء الاقتصادي السيئ والتدهور الكبير في سعر صرف الليرة التركية.

وكما تقول جريدة نيويورك تايمز فإن استقالة بيرات ألبيرق تعكس حالة من الإحباط العميق، حيث ذكر في استقالته الرئيس أردوغان عرضا. فقد شكر ألبيرق في رسالته الله، ثم زملاؤه والمجتمع التركي المسلم على السماح له بخدمة بلاده، ولكنه لم يشكر الرئيس أردوغان.

كما أشار ألبيرق أيضا في نص استقالته إلى حالة من التناحر داخل دوائر القيادة، فقد قال إنه كان من الصعب التفرقة بين الأصدقاء والأعداء وبين الصح والخطأ.

وكانت طريقة إدارة ألبيرق للاقتصاد محلا للانتقاد الواسع باعتبارها إدارة سيئة. وقد توافق ألبيرق مع أردوغان في تدخله المتزايد في قرارات البنك المركزي والقضاء، وهو ما أدى إلى تدهور ثقة قطاعات الأعمال والمستثمرين.

ومع جفاف الاستثمارات الأجنبية، وزيادة معدلات التضخم والبطالة أضر ذلك سياسيا بالرئيس التركي، الذي كان قد بنى شعبيته على تحسن مستويات المعيشة في أعقاب النمو الاقتصادي الذي تحقق في بداية حكم حزب العدالة والتنمية الذي يقوده.

وكان وزير الخزانة والمالية بيرات ألبيرق قد شجع على إنفاق الاحتياطيات التركية من العملات الأجنبية في محاولته دعم الليرة التركية، التي انخفض سعر صرفها إلى 8.5 ليرة مقابل الدولار بعد أن كان هذا السعر يبلغ 3.5 ليرة مقابل الدولار في عام 2017. ولم تجد سياسته في وقف تدهور الليرة، ولكنه في العديد من المناسبات سلط الضوء على انخفاض سعر الصرف قائلا إنه ليس مهتما بشأن الدولار الأمريكي. وذلك بعد أن تم إنفاق أكثر من 134 مليار دولار من الاحتياطي في محاولة الدفاع عن سعر صرف العملة التركية على مدى 18 شهرا (منها 101 مليار دولار خلال هذا العام وحده). وقد بلغ الاحتياطي بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي أقل مستوى له في عشرين عاما، مما دعا وكالة التصنيف الائتماني موديز إلى التحذير في سبتمبر الماضي من أن البلاد قد استنزفت الاحتياطي الذي كان يمكنه درأ أي أزمة محتملة في ميزان المدفوعات.

ورغم الإقالة والاستقالة إلا أن سعر صرف الليرة ظل متقلبا، ففي يوم الإثنين الماضي صعدت بعض الشيء، إلا أنها عادت للانخفاض في اليوم التالي، وظل تتراوح قيمتها بين 8.19 ليرة للدولار و8.32 ليرة. وكانت الليرة قد تراجعت لتسجل 8.58 ليرة للدولار في الأسبوع قبل الماضي، وهو مستوى قياسي، ليصدر بعدها قرار إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال وتعيين ناجي آغبال خلفا له.

وتم تعيين لطفي علوان وزيرا للمالية خلفا لبيرات ألبيرق. ووعد الوزير الجديد بتنفيذ تغييرات تتماشى مع رغبات السوق وتحسين بيئة الاستثمار أمام المستثمرين الأجانب والمحليين، مع استخدام كل الأدوات للتصدي للتضخم. كما قال علوان إنه من المهم تعزيز المؤسسات، وإنه سيجري الحفاظ على الانضباط المالي من خلال إدارة واقعية للمخاطر، وستجرى زيادة الطاقة الإنتاجية المحلية. فهل هذه إشارة إلى تعديل السياسة المالية والنقدية بما يتفق مع هدف محاربة التضخم والدفاع عن سعر صرف الليرة، أم هي مجرد تصريحات ستقف أمامها آراء ورغبات أردوغان؟

وكان محافظ البنك المركزي الذي تم إقالته مراد أويصال قد استمر في منصبه لمدة ستة عشر شهرا فقط، وقد نفذ خلال هذه المدة ما طلبه أردوغان بالتحديد. فقد خفض أسعار الفائدة عدة مرات، وقاوم إلى حد بعيد ضغوط السوق نحو رفع هذه الأسعار للحيلولة دون التدهور المستمر في سعر صرف الليرة. ولكن يبدو أن هذا لم يوفر له الحماية فتم إقالته. ولذا تبدي العديد من الدوائر دهشتها لهذه الإقالة المفاجئة، فالرجل لم يكن يفعل سوى ما يريده أردوغان.

أما محافظ البنك المركزي الجديد فكان يشغل منصب رئيس الهيئة الرئاسية لشؤون الاستراتيجية والموازنة، ويعد واحدا من القلائل الباقين في الحكم الذين ما زالوا يتبنون التفكير الاقتصادي السائد الذي يرى عكس ما يرى أردوغان بخصوص السياسة النقدية وخاصة سياسة أسعار الفائدة. فقد سبق للمحافظ الجديد أن شدد في مقابلة مع فايننشال تايمز في عام 2016 على ضرورة تدخل البنك المركزي لمحاربة التضخم. والمحافظ الجديد معروف جيدا للمستثمرين الدوليين؛ حيث سبق أن شغل منصب وكيل لوزارة المالية ثم لاحقا منصب الوزير. ويبدي البعض تساؤلهم عما إذا كان المجال سيكون مفتوحا أمامه لتنفيذ السياسة النقدية الصحيحة المطلوبة في الوقت الراهن، أي رفع أسعار الفائدة. وعموما فموعد اختبار المحافظ الجديد قريب جدا، حيث من المقرر أن تعقد لجنة السياسة النقدية التي تحدد أسعار الفائدة اجتماعا لها يوم 19 نوفمبر المقبل.

ورغم هذه التغييرات في المناصب ترى أحزاب المعارضة أن الأمر أبعد بكثير من مجرد اختيار هذا أو ذاك لمنصب محافظ البنك المركزي، فالقضايا الاقتصادية متجذرة في النظام السياسي الذي يضع الكثير من السلطة في يد الرئيس.

وحسب تصريح لجريدة الفايننشال تايمز ذكر علي باباكان وزير المالية السابق في حكومة أردوغان والذي يقود الآن حزبا معارضا “علينا ألا ننسى أن السبب الجوهري لما يشهده الاقتصاد هو الإدارة السيئة والنظام الحزبي الرئاسي الذي يتحاشى التفكير المؤسسي، وإهمال الجدارة والاستحقاق وتدمير مؤسساتنا الراسخة”.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى