سياسة

“إسلام أردوغان”: وهم الخلافة الإسلامية على منهج الإخوان


هل هي حرب ضدّ الإسلام بالفعل؟ سؤال بات محلّ استفهام غالبية المسلمين في العالم، هناك خلط واضح بين الجماعات الإرهابية والإسلام، وبين مقاومة تلك الجماعات ومحاولة وقف انتشارها، وبين الإسلام، مفاهيم خاطئة وجدت مجالاً للانتشار مع سقوط الدولة العثمانية، أو ما عدّته جماعة الإخوان في مصر سقوط للخلافة الإسلامية، المسألة التي دفعت حسن البنا لتأسيس جماعته، وإلى دعم انتشارها في العالم أجمع، فهل المسألة مرتبطة بمقاومة إسلام الإخوان أم الإسلام عموماً، وما هي علاقة إسلام الإخوان بإسلام أردوغان، العلاقة التي تنكشف جلياً عندما تعمل الجماعة والدولة التركية من أجل بسط نفوذهم تحت دعوى تطبيق الشريعة، أو ما أطلق عليه الكاتب الصحفي والباحث، سعيد شعيب، في كتابه الصادر حديثاً عن سلسلة كتاب الهلال في القاهرة “إسلام أردوغان”.

إسلام أردوغان
في كتابه؛ يقدم شعيب تحليلاً مستفيضاً للعلاقة بين الإخوان وتركيا، أو بالأحرى بين إسلام الإخوان وإسلام أردوغان، وكيف تم تطويع الدين من أجل بسط النفوذ والسيطرة، من أجل محاولة بعث الدولة العثمانية من جديد، بمفهوم استعماري عفا عليه الزمن.

أكاذيب عديدة رددتها الجماعة، هي الأكاذيب نفسها التي تردّدها تركيا، وحزبها العدالة والتنمية، تحت دعوى أنّهم ينتصرون للحريات في العالم، غير أنّ شعيب، في كتابه، تتبع تلك الأكاذيب مفنداً لها، كاشفاً عن حقيقة الداخل التركي، الذي يحاول أردوغان تجاهله، وتجاهل تقييد الحريات في دولته، وسجن المعارضين، وسحل الأقليات، ودعم الجماعات المتطرفة، سواء داخل تركيا أو خارجها.

قسم شعيب الكتاب إلى سبعة فصول، بدأها بفصل “مقبرة السودان”، رداً على أكبر أكذوبة ردّدتها الجماعة، أنّهم لم يحصلوا على فرصة كافية لإثبات أحقية حكمهم للدولة المصرية، وأنّ عاماً واحداً غير كاف للحكم على الدولة الإسلامية، كما ترغب الجماعة في تطبيقها، هنا يستعرض شعيب تجربة للإخوان في الحكم استمرت ثلاثة عقود، تجربة حكم الإخوان في السودان، التجربة التي انتهت بثورة شعبية على حكم الإخوان هناك، ورغم أنّ الإخوان تنصلوا من علاقتهم بالحكومة السودانية فور خلع البشير، إلا أنّ شعيب مستعرضاً تاريخ تواجد الإخوان في السودان يثبت عكس ذلك، لافتاً إلى إستخدام التقية للهروب من الاتهام، التقية التي يتفنن الإخوان في استخدامها دوماً للهروب عند الحاجة، أو سعياً للتمكين، هي التقية نفسها التي استخدمها أردوغان للوصول إلى حكم تركيا، وتنحية سيطرة الجيش على البلاد، ثم تعديل الدستور بما يكفل تقييد سيطرة الجيش على مفاصل الحكم، التقية التي استدعت إيهام الشعب التركي بأنّ تقييد سيطرة الجيش التركي سببها مساعي أردوغان للانضمام للاتحاد الأوروبي، وأنّ مزيداً من الحريات مهم جداً من أجل عضوية الاتحاد، لكن اكتشف الشعب التركي في النهاية أنّها مجرد مساعٍ لبسط نفوذ أكبر للإسلاميين، ومحاولة لتغيير النسيج الاجتماعي التركي، بإعطاء مساحات أكبر للجماعات الدينية المتطرفة، ونشر مؤسساتهم ودعوتهم.

وهم الخليفة أردوغان
مسألة وهم الخلافة والخليفة، وحلم أردوغان بالسيطرة على العالم الإسلامي كانت مضمون الفصل الثاني، تحت عنوان الخليفة أردوغان، وفي الفصل الثالث من الكتاب تناول شعيب التحالف بين إخوان مصر وأردوغان، موضحاً حقيقة أكاذيبهم؛ فهم دوماً يتحدثون في مصر عن تقييد الحريات، ومطاردة الصحفيين، علماً بأنّ الأكاذيب التي يرددونها عن مصر هي في واقع الأمر حقائق، لكنّها حقائق في الداخل التركي، أوردها شعيب في كتابه مستنداً إلى كتابات الباحثين ومؤسسات المجتمع المدني في تركيا ذاتها، مؤكداً بالأرقام اعتقال آلاف الصحفيين والقضاة ورجال الجيش والشرطة، لمجرد أنّهم انتقدوا الرئيس التركي، كحقّ مدني في التعبير عن الرأي، فالدولة التركية التي تدعم جماعات إرهابية في سيناء وسوريا وليبيا، وتطلق عليها في الإعلام الإخواني جماعات متمردة أو مسلحة، وترفض أن تواجه الدولة المصرية السلاح بالسلاح، وتحاول تصوير المسألة على أنّ الجيش المصري يقتل المصريين، أو أنّ الجيش الليبي يقتل الليبين هي نفسها الدولة التي تعتقل الآلاف في الداخل التركي لمجرد أنّهم أبدوا مجرد رأي في الرئيس التركي، استناداً إلى مادة في القانون التركي تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، تعاقب بالحبس كلّ من انتقد رئيس الدولة.

يستمرّ شعيب متبعاً منهجاً رصيناً في البحث ومستنداً على العديد من المصادر المباشرة في كشف أكاذيب أردوغان ودولته، وكاشفاً حلم الخلافة الذي يسيطر على ذهن أردوغان، ووهم إحياء الدولة العثمانية، وموضحاً كيف تمّ استخدام جماعة الإخوان في مصر لضرب استقرار المنطقة بالكامل، سواء في مصر أو منطقة الخليج، أو شمال أفريقيا، أو الشام، من أجل تهيئة الأوضاع للخليفة العثماني الجديد، أو هكذا يتوهم.

لماذا فشلت العلمانية في تركيا؟
يطرح شعيب في كتابه حقيقة مهمة أيضاً، تطرق من خلالها لأسباب فشل العلمانية في تركيا، وصعود الإسلاميين وسيطرتهم على مفاصل الدولة، وأرجع شعيب السبب إلى أنّ العلمانية التركية التي فرضها أتاتورك إنما هي علمانية مزيفة، حاول من خلالها أتاتورك فرض سيطرته هو أيضاً، مستخدماً دعوات القومية بديلاً للدعوة الإسلامية التي يتباها أردوغان، لافتاً إلى أنّ أتاتورك وأردوغان وجهان لعملة واحدة، فالعلمانية كما يراها شعيب تعتمد على الحرية الحقيقية، التي يشعر بها الناس في الشارع، العلمانية التي تفصل بشكل حقيقي بين الدين والدولة، وتكفل حرية الاعتقاد، لكنّ ما حدث في علمانية أتاتورك أنّه استبدل الدولة الدينية بالدولة العسكرية، لذلك كان من السهل على جماعة الإخوان العودة من جديد والسيطرة على الدولة التركية.

الخطورة الأكبر التي أشار إليها شعيب في كتابه هي مسألة سعي أردوغان لتغيير الخلفية الاجتماعية والثقافية للشعب التركي، من أجل تهيئتهم لتقبّل أفكاره المتطرفة، أعطى شعيب نموذجاً لذلك التظاهرات التي خرجت في تركيا بداية حكم أردوغان، رافضة لمحاولة تجريم الزنا، التظاهرات التي أجبرت أردوغان وحزبه على التراجع وعدم نصّ القانون، هنا أدرك أردوغان أنّ مساعيه سوف يكون نهايتها الفشل إذا لم يعمل بشكل كبير على تغيير جذري للثقافة التركية، هنا أعطي أدروغان المجال للمؤسسات الدينية المتطرفة في بسط نفوذها، وفتح الكتاتيب، وأطلق العنان للإخوان لنشر أفكارهم، تلك الأفكار التي تجد بيئة خصبة الآن في الداخل التركي، وذكر شعيب من واقع ملفات محاكمة الضابط التركي الذي اغتال السفير الروسي، أنّ ذلك الضابط أهدى مجموعات من الكتب لأصدقائه قبل عملية الاغتيال بأيام، كانت من ضمنها كتابات سيد قطب وحسن البنا، وكتب عن الإخوان، وهي الثقافة التي نجح أردوغان بشكل كبير في نشرها، لكن ما تزال هناك بارقة أمل تتمثل في المعارضة التركية، واليسار، ومؤسسات المجتمع المدني التركي، التي تمثل نسبة لا بأس بها في الداخل التركي، والتي تحاول رغم الديكتاتورية المفرطة التي يحكم بها أردوغان، ورغم الاعتقالات، واغتيالات المعارضين، أن تحافظ على بصيص أمل في وأد مشروع أردوغان لإحياء دولة استعمارية على أساس ديني انتهى عصرها منذ عقود!

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى