سياسة

إسلاميو تركيا.. العثمانيون الجدد


تثير الحركات “الإسلامية” في تركيا جدلا لا يتوقف، يشبه إلى حد كبير الجدل الذي جرى بشأن “العلمانية” في بلادهم، ولعل السمة المشتركة لجميع الأحزاب الإسلامية في تركيا، هي أنها بدأت على أساس أنها أحزاب تطالب بالمدنية وحقوق الإنسان وتلتزم الديمقراطية، وانتهت إلى قوى تبحث عن السلطة والبقاء في سدتها، حيث شكلت التحولات الاجتماعية في قلب الأناضول، البيئة الأساسية التي انطلقت منها حملة المشروع الإسلامي التركي، وقد اتسمت أحزاب الإسلام السياسي في تركيا، بدءا من حزب النظام الوطني وانتهاء بحزب العدالة والتنمية بنزعتين.

الأولى – الإخوانية: وتعود إلى مؤسس الجماعة حسن البنا الذي كان يطالب بضرورة عودة الخلافة الإسلامية إلى تركيا، على اعتبار أن الخلافة تشكل رمزا للوحدة، ومظهرا من مظاهر الارتباط بين الدول الإسلامية، ورغم أن العلاقة بين الجانبين (الإخوان في تركيا والعالم العربي) كانت في السابق في إطار التنسيق والتشاور والتعاون من خلال المؤتمرات والاجتماعات الدورية فإنها انتقلت في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى مرحلة الاحتضان التركي لحركات الإخوان من مختلف الدول العربية، إلى درجة أن تركيا باتت مركزا للتنظيم الدولي للإخوان، حيث تستخدم تركيا أردوغان هذه الجماعات كأذرع لها في العالم العربي وللسيطرة عليه.

الثانية – العثمانية الجديدة: مع أن حزب العدالة والتنمية حرص خلال المرحلة الأولى من حكمه على إبعاد الصفات كالإسلامي والعثماني عن نفسه، والحرص على الظهور بمظهر الحزب الديمقراطي المحافظ على غرار الأحزاب المسيحية في الغرب إلا أن تحولا كبيرا جرى مع وصول أردوغان إلى سدة الرئاسة، إذ إن لسان حاله يقول إن العقود السابقة من تاريخ الجمهورية التركية لم تكن سوى فاصل إعلاني قصير في عمر الإمبراطورية العثمانية.   

ومن دون شك، الدمج الأردوغاني على هذا النحو بين الإسلام السياسي والعثمانية الجديدة كان مدروسا، والهدف منه هو التأسيس لتركيا جديدة بحلول عام 2023 ، أي في الذكرى المئوية لانهيار الدولة العثمانية، فالعملية حسب أردوغان تتعلق بإنهاء إرث أتاتورك والانتقال إلى الجمهورية التركية الثانية أي العثمانية الجديدة، فحفيد السلاطين لا يرى هوية لتركيا من دون عثمانيتها لغة وثقافة وفضاء جغرافيا يمتد من بحر الأدرياتيكي إلى سور الصين، إذ إن الرجل المسكون بهاجس السلطنة والسلطان لا تفارقه صورة أجداده من سلاطين السلاجقة والعثمانيين، فأسماء هؤلاء تتكرر في كل خطاباته، وعليه لم يرضَ الإقامة في قصر تشانقاي الرئاسي في قلب العاصمة أنقرة، والذي كان منزلا لأحد العائلات الأرمنية تم الاستيلاء عليه عقب إقامة الجمهورية التركية عام 1923، بل شيد قصرا سماه بالأبيض على الطراز العثماني كي يليق بالسلطان الجديد، وجاء بالحراس الاستعراضيين الذين يمثلون فرسان أكبر 16 دولة تركية عبر التاريخ ليكونوا في استقبال الضيوف على باب القصر، حيث شعار الدولة العثمانية “الطغراء”.  

في الواقع، بقدر ما أثارت العثمانية الجديدة تحولا وجدلا في الداخل التركي، بقدر ما أثارت ردود فعل مناهضة في العالم العربي باستثناء الجماعات الإخوانية على أشكالها وتنوعاتها، ولا سيما أن تصرفات أردوغان في سوريا والعراق وقطر والصومال وصولا إلى ما يجري في ليبيا اليوم، أثارت هواجس العالم العربي والعالم من العثمانية الجديدة، لما تحمل هذه العثمانية من مفاهيم استعمارية تقوم على السيطرة والهيمنة، ولعل ما يؤكد حقيقة المخاوف ويعززها هو تصرفات أردوغان أكثر من أي شيء آخر، فالرجل يتحدث صراحة عن أن العثمانية هي شكل من أشكال استعادة الخلافة على شكل الخلافة التي أقامها داعش بكل ما حملت هذه الخلافة من قتل وتدمير وحشيين للحضارة الإنسانية، ولعل الأخطر هنا هو تحول العثمانية البائدة إلى نزعة احتلالية جديدة للعالم العربي، فما فعلته وتفعله تركيا في شمال شرق سوريا، واليوم في ليبيا باسم مذكرة التفاهم مع ربيبها الإخواني السراج يؤكد انتقال هذه العثمانية إلى أيديولوجية استعمارية جديدة، مع أن كل الوقائع على الأرض تشير إلى أن مرج دابق شمال حلب السورية لا يمكن أن تتكرر، وأن مصر لن تسمح بتكرار معركة الريدانية بالقرب من القاهرة من خاصرتها الليبية التي يريدها أردوغان ولاية جديدة له، ومسؤولية الجميع في هذه المرحلة هي إلحاق الهزيمة بالعثمانية الجديدة كي تصبح أيديولوجية بائدة وإلى الأبد، فالتاريخ لا يمكن إعادته إلى الوراء حتى لو استعاد أردوغان “الطغراء” على باب قصره الأبيض.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى