إسرائيل على ثلاث جبهات: غزة والقدس واليمن تفرض واقعًا ملتهبًا

تعيش إسرائيل واحدة من أكثر اللحظات منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعدما فقدت في يوم واحد عشرة قتلى على جبهات متعددة. ففي القدس قُتل ستة مدنيين في هجوم مسلح، وعلى مشارف غزة سقط أربعة جنود في كمين نفذته حركة حماس، بينما اعترضت الدفاعات الجوية ثلاث طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون من اليمن، في وقت تتسارع فيه الاستعدادات للهجوم البري المرتقب على مدينة غزة.
وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، برزت مجددًا معضلة تعدد الجبهات أمام الجيش الإسرائيلي، الذي يخوض سباقًا مع الزمن لتنفيذ عملية “عربات جدعون الثانية”، وهي المناورة البرية المقررة للسيطرة على غزة وتفكيك بنية حماس العسكرية، غير أن هذه المهمة تتعقد مع استمرار أعمال العنف في الضفة الغربية، وتصاعد ما تصفها الحكومة المتطرفة بـ”التهديدات من اليمن ولبنان وإيران”.
هجوم دامٍ في القدس
وفي مفترق راموت بالقدس، فتح مسلحان النار على تجمع للمواطنين قرب محطة حافلات، ما أدى إلى مقتل ستة مدنيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. وأعلنت السلطات الإسرائيلية أن المهاجمين تسللا عبر ثغرة في الجدار الأمني مستخدمين بنادق “كارلو” بدائية الصنع، دون أن تسبق ذلك أي إنذارات استخباراتية.
وحددت هوية الضحايا، وكان بينهم شخصيات دينية بارزة مثل الحاخام مردخاي شتاينتزيغ، المعروف بـ”الدكتور مارك”. وردًا على العملية، أمر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بإغلاق كامل للمنطقة التي انطلق منها المهاجمون في الضفة الغربية، مع تنفيذ عمليات مداهمة واسعة بحثًا عن أسلحة أو شركاء محتملين. وأكد زامير أن الجيش “سيتابع أوكار الإرهاب في كل مكان”، متوعدًا بضرب بنيتها التحتية.
إلى جانب الإجراءات الأمنية، تستعد الأجهزة الإسرائيلية لاحتمال اندلاع أعمال عنف انتقامية ينفذها مستوطنون متطرفون ضد القرى الفلسطينية القريبة، وهو سيناريو تكرر في الأسابيع الأخيرة.
كمين على أطراف غزة
وعلى الجبهة الجنوبية، أعلنت القوات الإسرائيلية مقتل أربعة جنود من لواء المدرعات 401 إثر هجوم نفذته وحدة من حماس قرب حي الشيخ رضوان شمال غزة. وأوضحت التحقيقات الأولية أن المهاجمين ألقوا عبوة ناسفة على دبابة إسرائيلية قبل أن يفتحوا النار باتجاه الجنود، ما أسفر عن مقتل أفراد الطاقم الأربعة وإصابة جندي آخر بجروح متوسطة.
وأكد الجيش أن تبادل إطلاق النار أسفر عن مقتل أحد المهاجمين، فيما لاذ آخرون بالفرار. ولم تستبعد التحقيقات أن يكون المهاجمون قد استغلوا نفقًا لم يُكتشف بعد للتسلل إلى محيط الموقع العسكري.
ومنذ أسابيع، تكثف حماس هجماتها المحدودة على مواقع عسكرية إسرائيلية في غزة، في محاولة لاستنزاف القوات وعرقلة استعداداتها للهجوم البري. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن هذه الهجمات تتكرر بوتيرة أسبوعية تقريبًا، ما يعكس محاولة الحركة إبقاء القوات في حالة استنفار دائم.
الحوثيون يدخلون على الخط
ولم تقتصر الضغوط على الجبهتين الفلسطينية، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض ثلاث طائرات مسيرة أُطلقت من اليمن، بعد يوم من هجوم مماثل استهدف مطار رامون قرب إيلات وأدى إلى إصابة عدة أشخاص. وأكدت مصادر أمنية أن الطائرات جرى إسقاطها فوق مناطق العربة وديمونا، دون وقوع إصابات أو أضرار تذكر.
وتبنى الحوثيون الهجوم، مؤكدين أن أهدافهم شملت مطاري رامون وبن غوريون، إضافة إلى “موقع حساس” في ديمونا. ويشير مراقبون إلى أن استمرار هذه الهجمات يعكس اتساع نطاق الحرب لتشمل “الدائرة الثالثة” من التهديدات، أي تلك القادمة من إيران وحلفائها في المنطقة.
رسائل القيادة السياسية والعسكرية
ومن مخبأ قيادة سلاح الجو، ظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤكدًا أن ما يحدث في غزة “ليس سوى مقدمة” للعملية البرية الكبرى. وأعلن أن الجيش هدم خمسين “برجًا إرهابيًا” في غضون يومين، محذرًا سكان غزة من مغبة البقاء في المدينة “لقد تم تحذيركم.. غادروا الآن”.
وفي المقابل، شدد رئيس الأركان إيال زامير على أن الجيش “يخوض يومًا مكثفًا من العمليات في كل القطاعات”، مشيرًا إلى أن الهدف هو “هزيمة حماس” مع العمل في الوقت نفسه على تحييد التهديدات في الضفة الغربية والشمال واليمن.
معضلة الجبهات المتعددة
ومنذ بدء الحرب في غزة، قُتل أكثر من 900 جندي إسرائيلي، بينهم 460 منذ انطلاق الهجوم البري. ورغم الخسائر، يؤكد نتنياهو أن إسرائيل ستواصل المعركة حتى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، لكن تعدد الجبهات – من غزة إلى القدس والضفة الغربية، مرورًا بالحدود الشمالية ووصولًا إلى اليمن – يزيد من هشاشة الموقف، ويطرح تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إدارة حرب طويلة الأمد في بيئة إقليمية شديدة التعقيد.