إسبانيا تعمق عزلة ميليشيات البوليساريو وتدعو إلى إحصاء ساكنة المخيمات
دعت اسبانيا باعتبارها ممثلة للاتحاد الأوروبي إلى ضرورة إجراء إحصاء دقيق لسكان مخيمات تندوف، مؤكدة دعمها للتوافق الذي تم التوصل إليه في اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة بشأن القرار المتعلق بالصحراء المغربية، في موقف يشير إلى مشروعية المطالب المغربية بهذا الخصوص، معربة عن تأييدها للاعتماد التوافقي للنص المتعلق بالأقاليم الجنوبية، وأكدت أن إجراءات بناء الثقة هي أمر ضروري لتحسين الأجواء المحيطة بالعملية السياسية لحل النزاع المستعصي.
كما دعت إلى تقديم مساهمات جديدة وإضافية لدعم الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات تندوف. وأشادت في الوقت نفسه بجهود الأمين العام للأمم المتحدة في السعي للوصول إلى حل عادل ودائم وواقعي بشأن هذا النزاع المعقد، فيما شدد ممثل مدريد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي على “ضرورة تسجيل عدد المحتجزين في مخيمات تندوف، مع تقديم مساهمات جديدة وإضافية لهم”.
ويشكل الدعم الاسباني المعلن لمطلب المغرب بإحصاء سكان مخيمات تندوف نقطة تحول إضافية في ملف شديد التعقيد تعمل الأمم المتحدة وهيئاتها على تفكيك ألغازه ومحاصرة التلاعب فيه من قبل الجزائر وجبهة البوليساريو وهما الطرفان في النزاع المفتعل ويدفعان باستمرار للالتفاف على مطلب الإحصاء الذي يشكل حلقة أساسية ومحددا لمسار تقرير المصير الذي يطالب به الانفصاليون دون وجود ما يسند هذا الطلب داخل المخيمات وما إذا ثمة غالبية تدعم هذا الطلب.
وتعمل الأمم المتحدة منذ سنوات طويلة إلى جانب المفوضية العليا للاجئين على فتح هذا الملف، لكنها تواجه في كل مرة بمناورات سياسية جزائرية عطلت إحصاء سكان المخيم وتحديد ما يحتاجه قاطنوه وتحديد أصولهم وما إذا كانوا كلهم من الأقاليم المغربية الجنوبية أم لا، خاصة مع ورود تقارير عن استقدام الجزائر في كل مرة يفتح فيها هذا الملف المئات من أصول افريقية ومن مناطق صحراوية جزائرية لتضخيم عدد ساكني المخيم سيء الصيت.
وقد يدفع الدعم الاسباني لطلب المغرب بإحصاء سكان المخيم إلى تعميق عزلة البوليسايو والجزائر في آن ويضع حدا لعمليات التلاعب والمناورات السياسية وأيضا لعمليات هدر مال المساعدات التي تمنحها الأمم المتحدة والكثير من الهيئات الغربية الإنسانية وهو ملف آخر شائك يستدعي تحقيقا دوليا في مآلات مئات ملايين الدولارات التي حصلت عليها البوليساريو على مدى عقود من النزاع المفتعل بينما يزداد البؤس والفقر والتهميش والمعاناة اليومية لأجيال من الصحراويين المحتجزين تحت حراب الانفصاليين.
ومماطلة البوليساريو ومن خلفها الجزائر في إحصاء سكان تندوف قد يبدو مفهوم لجهة محاولات التغطية على انتهاكات وفظائع ترتكب داخل المخيم ومن تضييق على الحريات وقمع واعتقالات وتعذيب خاصة في صفوف الشق الأكبر الرافض لطروحات الانفصال والمؤيد لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وأصبح الكثير من الصحراويين المحتجزين في تندوف يميلون أكثر للطرح المغربي بعد أن اكتشفوا حجم الخداع والتضليل الذي قاده الانفصاليون طيلة عقود تحت مسمى تقرير المصير وبعد ما اكتشفت الأجيال الجديدة الأكثر يقينا بأن لا مستقبل لهم وراء أسوار تحجب عن العالم ما يعانونه من قهر وتهميش.
وتواجه هذه الأجيال التي تقود حركة معارضة داخلية ونظمت في أكثر من مرة احتجاجات داخل تندوف قمعتها ميليشيات البوليساريو بالحديد والنار، ضغوطا شديدة وترهيبا مستمرا بين الاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب.
ومن شأن إحصاء سكان تندوف أن يساعد إلى حدّ كبير في كبح القمع وتحديد مآلات المساعدات المالية وإلى من وجهت وأين صرفت، فيما سبق لتقارير أممية وغربية أن أثارت هذا الموضوع مؤكدة أن مبالغ طائلة جرى تحويل وجهتها ولم يستفد منها سكان تندوف.
ويعيش قادة البوليساريو حالة بذخ ورفاه كبير في الجزائر، بينما يعيش الصحراويون في مخيمات تندوف حالة بؤس وخصاصة ولم يصلهم من المساعدات الدولية إلا الشيء القليل.
ويرى متابعون للقضية أن هذا التحول يشير إلى إدراك الأوروبيين للعراقيل التي تضعها جبهة البوليساريو من خلال منع إحصاء سكان المخيمات المحتجزين في الأراضي الجزائرية.
واعتبر محمد نشطاوي الخبير في العلاقات الدولية، أن “إسبانيا أصبحت تعي جيدا أن وجود جار مغربي مقسم ومهدد لأمنها، سيكون له انعكاس مباشر على أمنها”.
وأضاف نشطاوي، في تصريح لموقع هسبريس المغربي، إن “مدريد تخلت عن أفكار فرانكو واستفادت من دروس الماضي التي أدى فيها العناد إلى تضييع فرص الارتقاء بالعلاقات مع الشريك المغربي المهم”. مشيرا إلى أن “البوليساريو تعيش على وقع الخيبات المتتالية تجاه الوعي العالمي من حقيقة النزاع، فحتى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أشار إلى انتهاكاتها وتعنتها”.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أنه “بجانب اسبانيا، بينت العديد من الدول خلال اجتماعات اللجنة الرابعة دعمها للموقف المغربي الرامي لحل النزاع وفق مخطط الحكم الذاتي، وهذا مؤشر إضافي على موت الأطروحة الانفصالية”.
بجانب اسبانيا، أظهرت العديد من الدول خلال اجتماعات اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة دعمها للموقف المغربي الرامي لحل النزاع وفق الحكم الذاتي في مؤشر إضافي على موت الأطروحة الانفصالية
ولم يذكر ممثل اسبانيا أطروحة “تقرير المصير عبر الاستفتاء”، التي غابت عن قرار اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، وذلك في إشارة إلى “استمرار الوعي الدولي بحقيقة النزاع المفتعل”.
في المقابل، أشادت غالبية الدول خلال مداخلاتها في اجتماعات اللجنة الرابعة بـ”مخطط الحكم الذاتي” الذي يأتي كحل واقعي للنزاع المفتعل، في ظل غياب أي مشروع تفاوضي للطرف الانفصالي.
ومع اقتراب بيدرو سانشيز من قيادة الحكومة الاسبانية القادمة، يزداد انزعاج جبهة البوليساريو من الموقف الاسباني العقلاني تجاه قضية الصحراء المغربية، وظهر ذلك جليا خلال خطاب إبراهيم غالي بمناسبة ذكرى تأسيس الجبهة الانفصالية الذي أكد فيه أن الجبهة تواجه “تحديات” على أكثر من جانب.
ويأتي البيان الاسباني في سياق التوتر المستمر بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء المغربية. وقد رفضت الجزائر والبوليساريو، التي تسيطر على مخيمات تندوف، دعوة اسبانيا لإجراء تعداد للمحتجزين في هذه المخيمات.
وأثارت انتهاكات حقوق الإنسان داخل مخيمات تندوف، ضجة كبيرة مطلع الشهر الجاري في اسبانيا، حيث أدانت الجمعية الإسبانية “الحياة للتعاون الدولي باشبيلية”، الوضعية المزرية التي يعيشها سكان مخيمات الاحتجاز بمن فيهم الأطفال والنساء من قبل السلطات الجزائرية وجماعة البوليساريو.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد ندّد بدوره، بتدهور وضعية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف في تقريره الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية، مشيرا للمرة الأولى إلى تجنيد الأطفال في هذه المخيمات.
وأشار غوتيريش إلى تقرير المغرب إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مطلع يوليو/تموز 2022، الذي قدم وبالبراهين الداعمة قائمة مفصلة بالانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، المرتكبة من قبل جماعة “البوليساريو” في حق سكان مخيمات تندوف.
وتتواصل نداءات المغرب والمجتمع الدولي، من أجل مكافحة ظاهرة تجنيد وتدجين الأطفال، التي تمارسها دون عقاب “البوليساريو” في مخيمات تندوف.
ويرى لحسن أقرطيط، الخبير في العلاقات الدولية، بأن “تحدث مدريد باسم الاتحاد الأوروبي عن ضرورة إحصاء سكان تندوف، هو تجسيد للالتزام الاسباني تجاه قضية الصحراء المغربية”.
وأضاف أن “الموقف الاسباني ينسجم مع التقارير الأوروبية الداعية إلى إحصاء سكان تندوف، وذلك بعد تعنت الجزائر من العملية التي ستكشف حقيقة ألاعيبها”، مشيرا إلى أن “هذه التقارير سبق أن بينت عمليات السطو على المساعدات الدولية والأممية”.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن “الدعوة الاسبانية ناجمة عن وعي أوروبي بأن اللاجئين المحتجزين في المخيمات هم تحت سلطة إرهابية تتخوف من عملية إحصائهم، وإسقاط ذلك لآخر أوراق التوت في الأطروحة الانفصالية”.
واستنكر المغرب الأسبوع الماضي، رفض السلطات الجزائرية إحصاء وتسجيل المحتجزين بمخيمات تندوف في خرق واضح و”غير طبيعي” للثوابت غير القابلة للتصرف الواردة في اتفاقية 1951 حول اللاجئين، مجدّدا رفضه لعسكرة هذه المخيمات الواقعة في جنوب- غرب الجزائر، والاستيلاء على المساعدات الأممية الموجهة لهم في انتهاك صارخ لثوابت حماية اللاجئين وحقوقهم، بحسب الممثل الدائم للمغرب بجنيف عمر زنيبر.
وخلال المناقشة العامة في إطار الدورة 74 للجنة التنفيذية لبرنامج المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، سلّط زنيبر الضوء على الوضعية “اللاإنسانية” التي يعيشها سكان مخيمات تندوف المحرومين من أبسط حقوق العيش الكريم.
وأكد المسؤول المغربي في مداخلته التي قدّمها أمام الدول الأعضاء أبعاد الوضعية المثيرة للقلق التي يرزح تحتها سكان مخيمات تندوف، مشيرا إلى أن عسكرة المخيمات إلى جانب رفض الدولة المضيفة تسجيل السكان المحتجزين، “حالة غير طبيعية وفريدة من نوعها في سجلات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
ونبّه الدبلوماسي إلى أن غياب تعداد سكان المخيمات يجعل من المستحيل تقييم الاحتياجات، ويمنع التصدي لعمليات تحويل المساعدات، ويقوض أنظمة الحماية في إطار المفوضية، كما دعا المجتمع الدولي بما في ذلك الجهات المانحة والمنظمات، إلى مواجهة الجزائر بمسؤوليتها للسماح للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بإجراء إحصاء للسكان المحتجزين في مخيمات تندوف.
وأكد المغرب على لسان سفيره حرصه كدولة مضيفة للاجئين وجهة مانحة، على تجسيد رؤية إنسانية واقعية وبراغماتية تلبي حاجيات اللاجئين.