إثيوبيا تفتتح أكبر مشروع مائي في أفريقيا رغم تحذيرات القاهرة

دشّنت أثيوبيا رسميا اليوم الثلاثاء بعد أعمال بناء استمرت 14 عاما، سد النهضة الضخم المقام على نهر النيل والذي يشكّل منذ أعوام موضع توتر مع مصر والسودان.
وأثناء حفل التدشين الذي حضره قادة إقليميون، وصف رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد السد بأنّه “إنجاز عظيم ليس فقط لإثيوبيا، بل لكل الشعوب السوداء”.
وقال إن السد “برهان على أننا… قادرون على تحقيق كل ما نخطط له”، متوجّها إلى دول الجوار بالقول إن “اثيوبيا أنجزت مشروع سدّ النهضة الكبير من أجل المجتمعات السوداء. هذا لن يؤثر على الإطلاق على التنمية لديكم”.
وتقدّم إثيوبيا “سد النهضة الكبير” على أنّه أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا. ويشكّل السدّ مصدر اعتزاز لأديس أبابا، وأيضا موضع إجماع نادر الحصول في بلاد تشهد نزاعات مسلّحة بعضها لا يزال جاريا ولا سيما في منطقتي أوروميا وأمهرة، ثاني أكبر أقاليم اثيوبيا من حيث التعداد السكاني، وبعضها انتهى كما في إقليم تيغراي حيث توقفت الحرب في 2022 بعدما أوقعت 600 ألف قتيل بحسب تقديرات الاتحاد الإفريقي.
وأطلق المشروع في أبريل/نيسان 2011 بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار. ويبلغ عرضه نحو كيلومترين وارتفاعه 170 مترا فيما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه، بحسب شركة “ويبيلد” الايطالية التي قامت بتشييده.
ويرى خبراء أن السدّ يعدّ بمثابة تعهّد بـ”ثورة في مجال الطاقة” في إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان (130 مليون نسمة)، لا يحصل سوى 45 في المئة منهم على الكهرباء.
تغير حياة
وقال رئيس شركة “ويبيلد” الإيطالية بيترو ساليني لوكالة فرانس برس إن السد “سيغير حياة ما بين 30 إلى 40 مليون شخص” في إثيوبيا وسيوفر لهم إمكانية الوصول إلى الكهرباء. وأضاف أنه “فخور” لأن السد لم يعد “حلما بل حقيقة”.
وكان من بين الحاضرين في حفل التدشين رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي أعلن أن أحدث دولة في العالم ستوقع اتفاقية مع إثيوبيا لشراء الكهرباء.
ودخلت العديد من التوربينات الثلاث عشرة في الخدمة منذ العام 2022. وفي يوليو/تموز، أعلنت أديس أبابا اكتمال المشروع. ويقدَّر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية للسدّ 5150 ميغاوات، أي ضعف ما ينتج البلد راهنا.
ومع ذلك، فإن هذه الطاقة أقل بكثير من أكبر سدين في العالم، سد الممرات الثلاثة (22.5 جيغاواط) وسد بايهيتان (16 جيغاواط)، الواقعين في الصين.
ويعد سد النهضة من بين أعلى السدود في أفريقيا، بعد سد جلجل جيبي الثالث (243 مترا) على نهر أومو في إثيوبيا، والذي تم تدشينه في العام 2016، وسد كاتسي على نهر ماليباماتسو في ليسوتو (185 مترا).
كذلك، قالت أديس أبابا إنه سيوفّر إيرادات قدرها مليار دولار سنويا من الكهرباء المباعة لجيرانها. وبدأت الاحتفالات بتدشين السد مساء الاثنين، تخللّها تحليق طائرات دون طيار تحمل شعارات، مثل “الصعود الجيوسياسي” و”قفزة نحو المستقبل”، إضافة إلى عرض ضخم للألعاب النارية. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، انتشرت صور السد مزيّنا بالعلم الإثيوبي.
مصالح وجودية
غير أنّ المشروع يواجه انتقادات شديدة من القاهرة التي تعتبره تهديدا وجوديا إذ قد يؤدي إلى تراجع مواردها المائية.
وتعوّل مصر البالغ عدد سكانها نحو 110 ملايين نسمة، على النيل لتغطية 97 بالمئة من احتياجاتها من المياه، ولا سيما للزراعة.
وبحسب وزارة الموارد المائية والري المصرية، فإن موارد مصر المائية تقدر بحوالى 56.6 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها حوالي 114 مليار متر مكعب.
والثلاثاء، احتجت مصر على تدشين سدّ النهضة، منددة في رسالة الى مجلس الأمن بـ”إجراء أحادي” مخالف للقانون الدولي، مؤكدة أنها “لن تسمح للمساعي الإثيوبية بالهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية وتحتفظ بحقها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها”.
وفي أغسطس/آب، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن “من يعتقد أن مصر ستغض الطرف عن تهديد أمنها المائي فهو مخطئ”.
وقامت السلطات المصرية مؤخرا بالتقارب مع الدولتين المحاذيتين لإثيوبيا، إريتريا التي شهدت علاقاتها مؤخرا توترا مع أديس أبابا، والصومال.
كذلك أعرب السودان عن قلقه حيال تشغيل سد النهضة وشدد في موقف مشترك مع مصر في أواخر يونيو/حزيران على “رفض الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق”.
وفشلت كل محاولات الوساطة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، والتي قامت بها تواليا الولايات المتحدة والبنك الدولي وروسيا والإمارات والاتحاد الإفريقي.
وسعت إثيوبيا مرارا لطمأنة دول الجوار. وتوجه أبيي أحمد في يوليو/تموز إلى مصر والسودان بالقول إن “سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة”، مشيرا إلى أن “الطاقة والتنمية اللتين سيولدهما لن ترتقيا بإثيوبيا وحدها”.
وأكد أن “سد أسوان في مصر لم يخسر ليترا واحدا من المياه بسبب سد النهضة”. وكرر هذا الخطاب مؤخرا إذ قال إن “السدود المصرية والسودانية يفترض أن تكون ممتلئة. لا نريد أن يولّد سد النهضة أية مخاوف” للبلدين.
وقال بيترو ساليني إن السدود “تستخدم المياه لإنتاج الطاقة. وبالتالي، فهي ليست أنظمة ري تستهلك المياه”، مؤكدا أنه لن يكون هناك “أي تأثير على تدفق المياه”.