سياسة

تعرف على أم الغواصات.. الغواصة النووية الروسية K-329 بيلغورود


تُعد الغواصة النووية الروسية كيه-329 بيلغورود أطول غواصة عاملة في العالم (184 مترًا)، وتُمثل قفزة استراتيجية في حرب الأعماق.

تمثل الغواصة أحد أبرز الإنجازات التقنية والعسكرية لموسكو في مجال الحروب البحرية الحديثة، وتتميز بتجهيزها بطوربيد “بوسيدون” النووي غير المسبوق، بالإضافة إلى قدرتها على حمل غواصات أعماق صغيرة، ما يجعلها نموذجًا متقدمًا يجمع بين الردع الاستراتيجي والعمليات البحرية المعقدة في أعماق المحيطات.

بدأ بناء “بيلغورود” في عام 1992 في حوض “سيفماش” الشهير بمدينة سيفيرودفينسك، وكانت في الأصل نسخة معدلة من غواصات “أوسكار 2” الروسية المهيبة، المصممة لمواجهة مجموعات حاملات الطائرات التابعة لحلف الناتو باستخدام صواريخ “بي-700 غرانيت” المضادة للسفن.

الغواصة كيه-329 بيلغورود

لكن انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات أدى إلى توقف العمل على الغواصة عام 1997، في وقت اكتمل فيه البناء بنسبة 75 في المائة. وجرى تخزين الهيكل وتسريح الطاقم، مما أدى إلى تعليق مصير “بيلغورود” لفترة طويلة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي مرت بها روسيا آنذاك.

في عام 2000، وبعد حادث غرق الغواصة “كورسك” المأساوي، الذي وقع في أثناء اختبار طوربيد تجريبي فاشل، تم إحياء المشروع مؤقتًا لتعويض الخسارة، لكن نقص التمويل استمر في تهديد استكمال العمل على “بيلغورود”، حتى إن وزارة الدفاع الروسية فكرت في التخلي عن المشروع نهائيًا بحلول عام 2006.

بيد أنه في ديسمبر/كانون الأول 2012، أعيد بناء الهيكل بتصميم مختلف جذريًا، حيث تم تحويلها إلى غواصة للعمليات الخاصة تحت مشروع جديد يحمل الرقم 09852. وجاء هذا التغيير متماشيًا مع الأولويات الاستراتيجية لموسكو، التي تضمنت استغلال موارد القطب الشمالي وتوسيع قدرات حرب الأعماق البحرية.

تم تجهيز “بيلغورود” لتحمل طوربيد “ستاتوس-6” الذي عرف لاحقًا باسم “بوسيدون”، وهو سلاح نووي ذاتي القيادة يعمل بالطاقة النووية، قادر على عبور مسافات هائلة وتوجيه ضربات مدمرة للسواحل، وقد تتسبب في موجات تسونامي إشعاعية، وهو ما يمثل نوعًا جديدًا من الردع النووي غير التقليدي.

إلى جانب ذلك، تلعب الغواصة دور “الغواصة الأم” كحاملة غواصات صغيرة نووية مثل “لوشاريك” و”بالطوس”، التي تستطيع الغوص إلى أعماق تصل إلى 6 آلاف متر، وتنفيذ عمليات سرية تشمل التلاعب بالبنى التحتية البحرية الحيوية مثل كابلات الإنترنت وخطوط الأنابيب وأنظمة الاستشعار، بالإضافة إلى مهام استخباراتية دقيقة.

الغواصة كيه-329 بيلغورود

تحتوي “بيلغورود” على دفّات سفلية معززة تتيح لها الاستقرار على قاع البحر لتنفيذ مهامها المتخصصة، كما تحمل مركبات غير مأهولة تحت الماء (UUVs)، وربما تقوم بنشر عناصر من شبكة سونار متطورة تُعرف باسم “هارموني” لمراقبة مياه القطب الشمالي، وهو ما يعزز من قدرتها على السيطرة والمراقبة في بيئات بحرية معقدة وصعبة.

تعمل الغواصة بواسطة مفاعلين نوويين من طراز OK-650M.02 بقوة 190 ميغاواط، وتبلغ سرعتها القصوى 32 عقدة (نحو 59 كيلومترًا في الساعة). ويمكنها البقاء تحت الماء لمدة تصل إلى أربعة أشهر متواصلة، مع قدرة غوص تصل إلى 520 مترًا، مما يمنحها قدرة استثنائية على تنفيذ مهام طويلة الأمد في أعماق البحار.

وبعد سنوات من التأجيل والتطوير، بدأت التجارب البحرية في يونيو/ حزيران 2021 في البحر الأبيض، ودخلت الغواصة الخدمة رسميًا في 8 يوليو/ تموز 2022، حيث وصفتها وزارة الدفاع الروسية بأنها أول غواصة من الجيل الخامس في العالم.

الغواصة كيه-329 بيلغورود

تُعد “بيلغورود” وحشًا بحريًا حقيقيًا، فهي أطول حتى من غواصات “تايفون” السوفيتية الأسطورية، وإن لم تكن أثقل منها وزنًا. ويركز تصميمها على مهمتين رئيسيتين: الردع الاستراتيجي وحرب قاع البحر.

تحمل الغواصة حتى ستة طوربيدات من طراز “بوسيدون” التي تمثل تهديدًا نوويًا غير تقليديًا قادرًا على إحداث دمار هائل. ومن جهة أخرى، تلعب دورًا محوريًا في حرب الأعماق من خلال دعم غواصات الأعماق الصغيرة والمركبات غير المأهولة، مما يوسع قدرات روسيا في تنفيذ عمليات سرية ومعقدة تحت سطح البحر.

وفي ظل هذه القدرات المتقدمة، تشكل “بيلغورود” تحديًا كبيرًا للبحرية الأمريكية وحلفائها، خاصة في ظل التنافس المتزايد في مجال الحروب غير المأهولة والتكنولوجيا البحرية المتقدمة. فهذه الغواصة ليست مجرد منصة عسكرية، بل هي تعبير عن الطموحات الروسية في فرض نفوذها وتأمين مصالحها في بيئات بحرية استراتيجية، خصوصًا في مناطق مثل القطب الشمالي التي تشهد تنافسًا دوليًا متصاعدًا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى