أين ذهبت أموال داعش؟
رغم انتهاء حلم تنظيم داعش بإقامة دولة خلافته المنتظرة بعد أن فقد سيطرته على معظم الأراضي التي سيطر عليها في غفلة من الزمان وتغافل من أصحاب المكان سواء في سوريا أو العراق، فإن انتهاء هذا الحلم الدموي لا يعني انتهاء الأسئلة، ولا التوقف عن إثارة التساؤلات حول مصير هذا التنظيم ومصير ما جناه من أموال، خاصة في ظل ما أثارته مراكز أبحاث ودوائر فكرية وإعلامية غربية عن أن التنظيم ما زال يمتلك كميات كبيرة من الذهب والأموال المسروقة، ولكنه نجح في إخفائها من أجل الاستعانة بها في أي وقت يتمكن فيه من العودة مرة أخرى، وهنا يصبح عدة تساؤلات هي: ما مصير هذه الأموال؟ وأين أخفاها داعش؟ وهل يمكن أن يعود هذا التنظيم الإجرامي مرة أخرى؟
في ديسمبر الماضي نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين استخباراتيين وخبراء في مكافحة الإرهاب قولهم: إنه بعد مرور أكثر من عام على انهيار نظام الخلافة المزعوم الذي أعلنه تنظيم “داعش”، فإن التنظيم ما زال يمتلك حتى اللحظة كمية مهولة من الأموال المسروقة والتي قد تصل إلى 400 مليون دولار، أخفاها قادته لتمويل العمليات الإرهابية وضمان استمرار التنظيم لسنوات مقبلة، وبحسب الصحيفة الأمريكية، حمل مقاتلو داعش أثناء انسحابهم من معاقلهم السابقة في العراق وسوريا مبالغ طائلة بالعملات الغربية والعراقية والعملات الذهبية اكتسبوها كلها تقريبا من نهب البنوك وممتلكات الغير.
وفي حين تم دفن جزء من هذه الثروة، أو أخفيت بعيدا عن الأنظار، قام قادة التنظيم بغسل عشرات الملايين من الدولارات من خلال الاستثمار في أعمال تبدو شرعية في الشرق الأوسط على مدار العام الماضي، بهدف تمويل عودة مستقبلية لتنظيم داعش، وهو احتمال يخشى من قرب حدوثه في سوريا بعد القرار الأمريكي المتعجل بسحب القوات الأمريكية من هناك، والذي أعلنته إدارة ترامب الشهر الماضي.
وفي العراق يخشى مسؤولوه من أن تساعد الأموال المتبقية لدى داعش في تمويل العنف المتصاعد في المحافظات العراقية الشمالية القريبة من الموصل وكركوك، مستشهدين على ذلك بأنه بعد مرور أكثر من عام على تحرير تلك المناطق، نفذ الإرهابيون عشرات من عمليات الاغتيال والتفجيرات في الأشهر الأخيرة، كان معظمها يستهدف زعماء القبائل والحكومة وضباط الشرطة، وكل هذا جزء مما يخشى المسؤولون العراقيون من أنه تحول تنظيم داعش إلى حركة تمرد غامضة يصبح تحديدها ومواجهتها أصعب مستقبلا.
وبعيدا عن سوريا والعراق، هناك تقارير دولية كثيرة تحذر من أن خسارة التنظيم لمعاقل نفوذه التقليدية لا تعني نهايته ولا تعني انتهاء جهوده في استقطاب عناصر جديدة تمكّنه من الحفاظ على فكره ونشاطه، وإنما قد تكون تلك الخسارة مجرد إيذان ببدء مرحلة جديدة يعيشها تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ويسعى فيها لإعادة تموضعه جغرافيا بحثا عن ملاذات آمنة جديدة ومناطق انتشار مغايرة تمكنه من البقاء، مثل مناطق عدة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
ومن أبرز التقارير الدولية التي عنيت برصد أبرز الاتجاهات العالمية والإقليمية للتهديدات الإرهابية وتطوراتها وتجلياتها خلال العام المنصرم كان تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2018” الصادر قبل أيام عن “معهد الاقتصاد والسلام” الأمريكي والذي رصد وحلل آثار وتداعيات الإرهاب في 163 دولة تغطي نحو 99% من سكان العالم، وانتهى إلى أن هناك توجها عاما طغى على التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة بضرورة التحرك بعيدا عن مناطق الصراعات التقليدية، مثل منطقة الشرق الأوسط، وضرورة إعادة الانتشار جغرافيّا، والتموضع في مناطق جديدة بعيدة عن دائرة الضوء بما يمنح تلك التنظيمات حرية أكبر في الحركة، وهامشا أوسع للمناورة.
وهنا أشار التقرير إلى ثلاثة مناطق رئيسية باتت تحظى باهتمام التنظيمات الإرهابية لاسيما داعش، اثنتان منهما في أفريقيا والثالثة في آسيا، وهذه المناطق التي سنعود إليها في مقال تفصيلي هي: منطقة الساحل الأفريقي التي أصبحت تشهد تنافسا على النفوذ بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، منطقة الحزام الأوسط في نيجيريا التي تشهد صراعا على الموارد والمراعي بين المجموعات الموجودة في المنطقة، منطقة جنوب شرق آسيا التي تشهد موجة جديدة من الإرهاب تتزعمه المجموعات التابعة لتنظيم “داعش” والحركات الانفصالية في دول تلك المنطقة.
الخلاصة هنا هي أن خطر داعش ما زال يشكل تهديدا كبيرا وجديا على أمن العالم واستقراره، والتسليم بأن داعش انتهى، واتخاذ قرارات بناء على هذا الافتراض الخاطئ، هما أكبر هدية يمكن تقديمها لهذا التنظيم الإرهابي، فهذا منتهى مراده وأكثر ما يصبو إليه؛ تخفيفا لما عليه من ضغوط، وتحيُّناً لفرصة يلتقط فيها أنفاسه ويستوعب فيها خسائره ويعيد تنظيم صفوفه في مناطق وجوده التقليدية، ويرسخ فيها وجوده في بؤر انتشاره الجديدة.
نقلا عن العين الإخبارية