أوهام أردوغانية في القوقاز
يظل أردوغان خاضعاً لأوهامه في اصطناع مغامراته العسكرية خارج الأراضي التركية وكلما سنحت له الفرصة يقوم بمغامرة جديدة وسرعان ما تنكشف تلك الأوهام التي تؤدي بمجملها إلى إخفاقات سياسية وارتكاسات عسكرية.
فمن ليبيا إلى المتوسط إلى ناغورني قرة باغ، ثمّة أدوار واهية تجعله في نهاية المطاف يدفع أثماناً باهظةً جرّاء تلك الانهيارات الداخلية والخارجية، وما الصراعات والمعارك التي يشعلها في مواقع شتى من العالم إلا للخروج من وطأة مشاكله الداخلية ومن الأوضاع المزرية التي تمر بها تركيا.
وفي خطوة جديدة لتوسيع النفوذ التركي في آسيا الوسطى على غرار تدخلها العسكري في سوريا والعراق وليبيا، كثّفت تركيا من تحركاتها لتنفيذ سيناريو جديد تمهيداً لتوقيع اتفاق أمني مع أذربيجان يخوّل لها تدخلاً عسكرياً في النزاع الأذري الأرميني باعتبار لها طموحات توسعية لا تتوقف في جمهورية أذربيجان الثرية بالمحروقات.
وتخوض باكو ويريفان منذ عقود نزاعاً حول إقليم ناغورني قره باغ ذي الغالبية الأرمينية الذي أعلن انفصاله عن أذربيجان في حرب التسعينيات الماضية، وغدت المواجهات الجديدة التي اشتعلت مؤخراً هي الأكثر عنفاً، وتنضوي يريفان في تحالف عسكري لجمهوريات سوفياتية سابقة بقيادة موسكو في حين تركيا تتدخل عسكرياً في المعارك عبر نقل آلاف المرتزقة والإرهابيين من المناطق التي يحتلها الأتراك في ليبيا وشمال سوريا ونشرت آلاف المسلحين خلال الأشهر الماضية الذين توزعوا في منطقة الصراع.
وهؤلاء المرتزقة ينتمون إلى مجموعات متطرفة، وينضوون في صفوف الفصائل التي شاركت إلى جانب تركيا في هجمات عدة شنتها في شمال وشمال شرق سوريا، ومن مقاتلي المعارضة القدامى أو المجندين الجدد من الشباب يعملون بـإمرة تركيا، وينضوي غالبية المقاتلين في ثلاث فصائل رئيسة هي السلطان مراد وسليمان شاه ولواء المنتصر بالله، إضافة إلى مقاتلين من فصائل أخرى تطوعوا بصفة فردية.
وإجمالاً تضغط تركيا لاستمرار هذه الأزمة تحت دوافع قومية وأهداف استراتيجية سياسية واقتصادية، والجديد هو دخول تركيا على الخطّ بسبب اندفاعات وأحلام رجل تركيا المريض أردوغان وذلك يرجع لعدة أسباب أولها العداء بين تركيا وأرمينيا، والتصعيد بأمر مذبحة الأرمن ومطالبة أرمينيا بالتعويضات حيث كانت تطمح تركيا لفتح الحدود مع أرمينيا من أجل سهولة عبور تجارتها نحو آسيا الوسطى.
طموحات تركيا الجيوستراتيجية واسعة في القوقاز وآسيا الوسطى، وأذربيجان التي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة ويعززها العداء المشترك لأرمينيا، وتدعم أنقرة باكو لرغبتها في استعادة إقليم ناغورني قره باغ، وتحمل أرمينيا ضغينة تجاه تركيا بسبب اتهام الإمبراطورية العثمانية بإبادة نحو مليون ونصف مليون أرميني، وباعتراف الهيئات الدولية خلال الحرب العالمية الأولى، وترفض تركيا الاعتراف بهذا الوصف لما حدث.
وترغب أنقرة بتفجير العمليات الحربية بين أذربيجان وأرمينيا باعتبارها فرصة ثمينة لتركيا لنقل توترها مع روسيا من منطقة الشرق الأوسط إلى القوقاز، إذ ورغم ما يُظهرانه من اتفاقيات هشة في سوريا حماية لمصالح كل منهما، ولكن سيكون على أنقرة حتماً أن تأخذ في حساباتها دور موسكو التي هيمنت على الشؤون السياسية والاقتصادية بين البحر الأسود وبحر قزوين على مدى قرنين من الزمن.
وهناك طموحات أردوغانية في إعادة تركيا لأمجاد الماضي العثماني وتلك كانت نقطة مشتركة في خطاب إردوغان طوال فترة حكمة في تركيا كرئيس وزراء أولاً ثم كرئيس حالياً ومع اهتزاز الأساس العلماني على نطاق واسع في تركيا، بدأ أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في التشكيك العلني من الحكم العلماني وتصويره كفترة انحراف في تاريخ البلاد وهنا تأتي فكرة زعم إعادة تركيا لمركز العالم الإسلامي مناسبة تماماً لهذا السياق الجديد.
وتُعتبر موسكو الحَكم الإقليمي الأبرز، والأقرب إلى أرمينيا، وأن البلدين ينتميان إلى نفس التحالف العسكري الذي تهيمن عليه روسيا، في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإذا ما شعرت روسيا بالتهديد إلى حد يستحق تفكيك العلاقة التي كانت تطورها مع تركيا، فيمكنها الانتقام من تركيا في ليبيا وعلى الأرجح في سوريا، وعلاقة موسكو مع أنقرة أظهرت علامات عدم ثقة متبادلة.
نقلا عن العين الإخبارية