سياسة

أولويات إخراج المنطقة من أزماتها


الصيغة السياسية لإدارة بايدن مهمة لفهم معطيات الحالة السياسية، خاصة في منطقة الخليج .

التي يبدو أنها ستكون محور اهتمام منقطع النظير لهذه الإدارة، رغم كل ما يقال عن رغبة أمريكا في الرحيل عن الشرق الأوسط وسعيها إلى تغيير شامل في سياساتها في الشرق الأوسط بالتركيز على منطقة الخليج من خلال مراجعة الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بتوازن القوى والدعم العسكري، لقد أصبح من الواضح أن الملف النووي الإيراني سيكون من مصادر الإنهاك الأكبر لهذه الإدارة نتيجة التعقيدات التي تطول هذا الملف بشكل يومي تقريباً، حيث إن الأهداف النهائية لهذا الملف تكاد تكون متضادة بين إيران وبقية دول العالم بما فيها أمريكا.

السعي الإيراني الفعلي لا يتوقف فقط عند امتلاك برنامج نووي سلمي، بل الهدف الأخير هو امتلاك برنامج نووي عسكري، وكل تحركات إيران في المنطقة تصب في هذا الاتجاه، وجميع الإدارات الأمريكية تدرك هذه النظرية منذ زمن، ولكن بعد أن عززت إيران من وجودها في المنطقة وقدمت لها أمريكا العراق على طبق من ذهب، هناك تصاعد لدور إيران في معادلة المنطقة، وسمح لها ذلك التصاعد وعبر برنامجها النووي بأن تكون متغيراً يصعب القفز عليه في الحسابات الأمريكية، ومن هنا لا بد من الفهم أن المتغيرات المختلفة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدور حول متغيرات موازين القوى في المنطقة التي لن يكون من الصالح الأمريكي أن تميل الكفة لصالح إيران على حساب المنطقة وقواها.

يمكن القول ببساطة إن المنطقة اليوم تحصد الفشل الذريع لسياسات عام 2003م، والتي يتحمّلها جورج بوش الابن، والتاريخ كتب هذه المرحلة بكل تفاصيلها، وقبل أن يرحل بوش الابن عن البيت الأبيض، فقد فرصة سياسية أخرى لمعاقبة إيران، وترك الأمر لخلفه الرئيس أوباما الذي قلب الموازين بشكل غير متوقع بعد أن كانت إدارة الرئيس بوش الابن تتحدث عن ضربة عسكرية لإيران، باستخدام جميع الوسائل العسكرية من أجل تعطيل المسار النووي الإيراني.

عندما أتى الرئيس أوباما تغيرت المسارات وبدأت إدارته باللقاءات السرية في ذلك الوقت، التي أنتجت في النهاية خطة العمل المشتركة أو ما يسمى “الاتفاق النووي”، وهو اتفاق ترى إيران أنها حققت فيه نجاحاً كبيراً يمكنه أن يضمن لها في نهاية المطاف أن تفاجئ العالم بدخولها إلى النادي النووي، وقد كانت معظم الشخصيات الفاعلة في إدارة بايدن حالياً جزءاً من الفريق التفاوضي مع إيران.

لن يكون من السهل على إدارة بايدن التعاطي مع الملف الإيراني وفقاً لما يجري من نزاعات سياسية ظاهرة بين الطرفين، وفي الوقت ذاته لا يمكن استبعاد قيام أمريكا بذات المسار الذي نهجه أوباما من قبل، فمن السيناريوهات المحتملة أن تفاجئنا الإدارة الأمريكية بلقاءات سرية مع الجانب الإيراني على غرار ما حدث في عهد أوباما، وهذا السيناريو له احتمالية كبيرة، لأن كلا الطرفين يستحيل أن يصل في العلن وعلى مرأى من العالم إلى لجوء أحدهما للتنازل للطرف الآخر والبدء في تقديم التنازلات.

التركيز الأكبر لإدارة الرئيس بايدن يقع في سياق حسابات توازن القوى في المنطقة، وما لم تكن هناك سيناريوهات فعالة فلن تكون النتائج في صالح المنطقة والعالم، ولعل مؤشرات الارتباك المحتمل في سياسات أمريكا في المنطقة تظهر في تهاونها سياسياً مع الحوثيين الذين يشنون هجوماً مكثفاً على الحليف الاستراتيجي لأمريكا، وهنا السؤال المهم الذي يقول: ما هي النتيجة المنتظرة خلف ذلك وإلى أي مدى سوف تذهب الحالة اليمنية والكيفية التي ستتأثر بها المنطقة بأكملها؟ وهنا لا يمكن القول إن الإدارة الأمريكية الحالية تجهل تأثيرات تحركاتها على ميزان القوى في المنطقة، ما قد يسبب أخطاء جسيمة يصعب تفاديها، السنوات الأربع القادمة لن تسير بشكلها المعتاد سياسياً مع أمريكا، وهذا ما يطرح فكرة مقلقة أن تفقد القوى المؤثرة الدولية والإقليمية بوصلة التحكم في مشكلات المنطقة الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى