أصدرت المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الدولية والسياسات الأمنية بيانًا مشتركًا للبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا بعنوان “شراكة استراتيجية مع الخليج”، يضم مقترحًا من المفوضية لتطوير إطار شامل للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية.
وفي حين أن العلاقات الأوروبية-الخليجية تاريخية ومتجذرة، فإنّها لم تتطور بحجم تأثير دول الخليج الاستراتيجي، وتحوّلها حلقةَ وصل عالمية بين الشرق والغرب، وإسهامها في الأمن العالمي.
وربما كان تعطُّل اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي منذ عام 1990 -بسبب الموقف الأوروبي من حقوق الإنسان- مؤشرًا إلى الوقت الذي أضاعته أوروبا في تطوير علاقاتها بالخليج.
وفي حين أن الاتحاد أعاد إطلاق النقاش بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون في عام 2017، فإن تلك الاتفاقية لا تزال تنظر إلى التجارة بمفهوم تبادل السلع، وتتجاهل قضايا مثل نقل المعرفة، أو أمن الملاحة، تعاملت أوروبا معها بأدنى الحدود عن طريق إرسال بعثة أوروبية بحرية “للتوعية” بأمن مضيق هرمز.
ومن ثَم، فإن اقتراح المفوضية الأوروبية إعادةَ صياغة أسس العلاقات الأوروبية-الخليجية يتجاوز مجرد تطوير العلاقات الاقتصادية إلى وضع أسس أعمق لتطوير شراكة متكافئة في مجالات حيوية مثل الاستثمار، والتغيّر المناخي، والصحة الدوليّة، وأمن الطاقة، والتحول إلى الطاقة المتجددة، ودعم التنمية، والمساعدات الإنسانية، والسلام، والاستقرار، وخفض الصراعات في الشرق الأوسط، وتجعل هذه المجالات النظرة الأوروبية أكثر استراتيجية وواقعية، ولا سيَّما أن الوثيقة ربطت الاستقرار السياسي بالتنمية الاقتصادية والقضايا الأمنية الصَّلدة والناعمة، ومنها المعونات الإنسانية.
ولا يُمثّل تبنّي فكرة “الاستقرار” بدلًا من فكرة الديمقراطية قبولًا للأمر الواقع -كما قد يراه بعض المُشكّكين- بقدر ما يعكس درجةً من النضج في التفرقة بين طبيعة النظام السياسي وأدوات الحوكمة المعتمدة على القوانين والمبادئ التي تؤطر علاقة الشعب بالحكومة.
وإن مفاهيم مثل خفض الصراعات في المنطقة، وتحقيق الاستقرار، كانت مبادئ أساسية دافعت دولة الإمارات العربية المتحدة عنها في مقابل أولويات تحقيق التحول الديمقراطي، إذ ترى أن دعم الاستقرار مُمَكّن أساسي للتحول السياسي وليس بديلًا له.
كما أن أهمية الترابط الاقتصادي بين الدول تُمثّل مفهومًا رئيسيًّا في نظرة دولة الإمارات إلى العالم، وركيزة أساسية في تطوير سياسات التنمية الوطنية، متناغمةً مع سياسات الدولة الخارجية، وأصبحت جزءًا من توجه دول الخليج أجمع.
وفي حين أن الوثيقة تشير إلى دعم الخطة الأوروبية لتقليل الاعتماد على النفط الروسي، فإنها تحمل توجهًا أبعد مدًى وأكثر عمقًا، ومن الخطأ النظر إليها بصفتها مجرد تكتيك يهدف إلى إقناع دول الخليج العربية بزيادة صادراتها النفطية إلى أوروبا، بل إن أوروبا -إذا ركَّزت على تلك الحاجة الفورية فقط- قد تخسر فرصة سانحة لإعادة تأسيس أهمية أوروبا في المنطقة العربية، وتلافي الانزلاق إلى مهاوي الاستقطاب الحاد بين الشرق والغرب.
وفي المقابل سيتطلب ذلك انخراطًا جادًّا من دول الخليج العربية لمناقشة الفرص الجديدة التي يفتح ذلك التوجه آفاقها.
نقلا عن “مفكرو الإمارات”