سياسة

أهداف تصفية القضية الفلسطينية.. قراءة في المؤامرات والتحديات


حول تصفية القضية الفلسطينية يدور الحلم الصهيوني. فشل الحلم القديم في محو الهوية الفلسطينية ولم ينجح الصهاينة في فرض سرديتهم على العالم إلا في حدود ضيقة. ذلك لم يحدث إلا لأن الفلسطينيين عرفوا كيف يثبتون بلغة معاصرة أنهم شعب حي. لم يقف العالم الرسمي يوما إلى جانبهم. غير أن قضيتهم اخترقت الحواجز والعقبات ووسائل التضليل لتستقر في قلوب وضمائر وعقول الشعوب. حين وقف ياسر عرفات على منصة الأمم المتحدة ملوحا بغصن الزيتون لم يكن ذلك انتصارا للفلسطينيين وحدهم بل وأيضا لكل الشعوب التي اقتنعت بحقهم التاريخي والواقعي، بحقيقة كونهم أصحاب الأرض التي تم اغتصابها لتُقام عليها دولة إسرائيل. جمع عرفات في تلك اللحظة الاستثنائية التاريخ والواقع في سلة واحدة وهو ما دفع بالفلسطينيين إلى واحدة من أهم ذرى تعبيرهم عن هويتهم التي تجمع الجذور بالمعاصرة.

قاتل الفلسطينيون بالعقل والعاطفة معا دفاعا عن هويتهم التي أضفوا من خلالها على قضيتهم مزاجهم التاريخي الذي لم يعتبروا البندقية الوسيلة الوحيدة للتعبير عنه. يوما ما كانت إذاعة بي بي سي تسميهم بالمخربين غير أنهم استطاعوا من خلال كفاحهم بمختلف الأساليب أن يقنعوها بأن “الفدائيين” هي التسمية الوحيدة التي تؤكد من خلالها حيادها المهني. كان الفلسطيني فدائيا في القتال المباشر والتجارة والأدب ودراسة العلوم والسياسة والطب والفلك. شعب الشتات لم يكن كله شعب مخيمات. أبناء المخيمات أنفسهم صاروا أطباء ورسامين وعلماء ذرة وموسيقيين وشعراء. كل تفصيل من تفاصيل الهوية الفلسطينية كان حاضرا في وعي الفلسطيني العادي. حتى الفلافل لم يسمح الفلسطينيون لليهود بالاستيلاء عليها. كانت جزءا من هويتهم. كل ذلك كان يجري في إطار حركة النضال الوطني الفلسطيني.

صنعت الهوية الفلسطينية قضية تشبهها من جهة انتمائها الوطني والقومي. لم تكن قضية مسلمين ولم تكن كذلك قضية مسيحيين. ولم يكن اليهود أعداء. كانت قضية شعب سُلبت أرضه وتم تشريده وحرمانه من حقه في العودة. ولأن الفلسطينيين شعب يعتز بانتمائه العربي فقد استندوا على الحائط العربي في قضيتهم التي صارت قضية العرب المركزية كما عبرت الأنظمة والأحزاب العربية في منطلقاتها النظرية.

تمحورت فكرة العروبة يوما ما حول فلسطين. وعلى الرغم من توزعهم بين نظريات سياسية مختلفة فإن الفلسطينيين لم يخدشوا هويتهم الوطنية والقومية المشتركة بالعقائد.

أما حين انهار الحائط العربي وتمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الاستيلاء على جزء من مساحة المقاومة من خلال حركة حماس فإن كل شيء ذهب إلى حضن الحلم الصهيوني بتصفية القضية الفلسطينية باعتبارها نوعا من العداء للسامية.

صار ممكنا القول إن المسلمين الفلسطينيين يسعون إلى تدمير دولة إسرائيل لأنها دولة لليهود.        

سمحت أسلمة القضية الفلسطينية لإيران بأن تكون طرفا رئيسا في صراع لم يكن لها أية علاقة حقيقية به. كل الشعارات الشعبية التي رُفعت منذ زمن الخميني من الموت لأميركا إلى الموت لإسرائيل كانت شعارات مضللة، الهدف منها تمرير مشروع التوسع الإيراني في المنطقة العربية أو ما سُمي بتصدير الثورة.

لقد صنعت إيران من المذهب الشيعي قناعا لسياستها التوسعية ولم تكن هناك رغبة إيرانية في المساس بأمن إسرائيل. لم تكن إيران راغبة في أن تكون طرفا مباشرا في الصراع مع إسرائيل بقدر ما كانت ترغب في إفراغ القضية الفلسطينية من محتواها العربي. وذلك ما فعلته حركة حماس بكل براعة بعد أن احتوت السلطة الفلسطينية العاجزة كل تنظيمات النضال الوطني الفلسطيني.    

وكما صار معروفا فإن حركة حماس وقد تنكرت للعرب وأدارت لهم ظهرها كانت تخطط لإدارة القضية الفلسطينية في سياق مختلف عن سياقها التاريخي، حيث لم يعد للهوية الوطنية والقومية الفلسطينية أي اعتبار يُذكر.

كان ذلك ما تنتظره إسرائيل. صار أهل القضية وهم العرب غرباء عنها. لقد قدمت حركة حماس هبة غير متوقعة إلى إسرائيل. قطعت صلة العرب بالقضية الفلسطينية أولا وثانيا حين أكست الصراع طابعا دينيا بحيث صار القضاء على اليهود هو الهدف وثالثا حين ارتجلت لإيران مكانا في الصراع. لقد سعدت إسرائيل بذلك التحول الذي يخدم حلمها.

لذلك فإن إسرائيل في غزة لم تكن تحارب العرب بل تحارب إيران. ذلك تحول مأساوي في القضية ربما لم ينتبه إليه الكثيرون. ما صنعته حماس كان بتدبير إيراني وهو ما مهد لآلة الحرب الإسرائيلية في أن تقوم بعملها.     

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى