كان من المفترض أن تظل الحرب الأهلية مصدراً لكبح الجماح على نحو دائم، وأن تبقى مشاعر الارتياح بفضل التحرر ونيل الوحدة مقيدة دوماً بصدمة سقوط 600 ألف قتيل. ومع ذلك، نلاحظ في الفترة الأخيرة انتشار عبارة «الحرب الأهلية» عبر أرجاء شبكة الإنترنت.
بعد تفتيش عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل دونالد ترمب بحثاً عن وثائق أرشيفية، خرج علينا أحد القوميين البيض ليعلن: «الحرب الأهلية وشيكة». ومع عودة لفظ الحرب الأهلية، نعاين كذلك عودة ظهور كلمة «انفصال» على ألسنة البعض الذين يعيشون أوهام إعادة إحياء السنوات الأربع التي كانت فيها هذه البلاد دولتين منفصلتين.
من ناحيتها، قالت ليز تشيني، في خطاب تنازلها في وايومنغ، إنها تستمد الشجاعة من عزم أوليسيس غرانت عندما حول جيشه جنوباً نحو ريتشموند عام 1864. وأشارت إلى أن أبراهام لنكولن خسر السباقين الانتخابيين لنيل عضوية مجلسي النواب والشيوخ «قبل أن يفوز بأهم انتخابات على الإطلاق».
أما فيما يخص تشبيه تشيني لنفسها بأبراهام لنكولن، فقد رأيت في المتحف الوطني للصحة والطب الرصاصة التي قتلته وشظايا جمجمته. ومع أنني لست مدربة في مجال التنمية البشرية، فإنني بالتأكيد لم أكن لأصف السير على خطاه باعتباره هدفاً مهنياً متفائلاً.
اليوم، يبدو لي أن الدفاع عن الفرضية القائلة إنه في أعقاب انتخابات نزيهة، يصبح الفائز الشرعي بأصوات المجمع الانتخابي الرئيس المنتخب للبلاد، يشكل أهم قضايانا. وفيما يتعلق بكل شيء آخر، تبدو الولايات المتحدة عام 2022 أقرب إلى عام 1850 أكثر من 1861.
كانت الدولة عالقة في نحو عام 1850 داخل مأزق ثلاثي، وذلك بعد أن وجد الرئيس فيلمور، عالقاً بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، وكان بعض دعاة إلغاء العبودية حريصين على الانفصال تقريباً بنفس درجة حرص مالكي العبيد على ذلك ـ الوضع الذي عاد بالنفع على الطرف الأخير.
وتحمل نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة حول الدعم المتزايد لفكرة الانفصال أصداء الانقسام السياسي الثلاثي الذي شهدته خمسينات القرن التاسع عشر. العام الماضي، أصدر مركز جامعة فيرجينيا للسياسة تقريراً يثير القلق. وكشف التقرير أنه «يوافق إلى حد ما» 41 في المائة من الديمقراطيين و52 في المائة من الجمهوريين على أن الولايات الحمراء والزرقاء يجب أن تنفصل وتشكل دولتين منفصلتين.
وبذلك يتضح لنا أن الانفصال أحد تلك الموضوعات التي يكون فيها المتطرفون من كل طرف حلفاء بحكم الأمر الواقع.
من ناحية أخرى، فإن نحو 40 في المائة من الأميركيين لا يعيشون في الولاية التي ولدوا بها. كما أن القدرة على الانتقال من دولة لأخرى ليست فقط حرية أساسية يجب أن تضعها ليز تشيني، بل هي أيضاً ضرورة اقتصادية. إضافة إلى ذلك، فإن الهجرة بين الولايات تعد عماداً أساسياً لفنوننا وثقافتنا.
وكشف استطلاع للرأي شمل أكثر من 8000 أميركي نشره برنامج أبحاث منع العنف التابع لجامعة كاليفورنيا بالتعاون مع مركز أبحاث العنف باستخدام الأسلحة النارية في كاليفورنيا، أن نصف المستطلعة آراؤهم وافقوا على أنه «خلال السنوات العديدة المقبلة، ستندلع حرب أهلية في الولايات المتحدة».
وتحكي خرائط نتائج انتخابات المقاطعات قصة فوضوية عن هويتنا وأين نعيش. على سبيل المثال، نجد أنه صوّت عدد أكبر من سكان كاليفورنيا عن سكان تكساس لصالح دونالد ترمب. وحتى ريتشموند لم تعد ريتشموند التي لطالما عرفناها ـ الآن بعد أن أزالت المدينة جميع المعالم الكونفدرالية من شارع النصب التذكاري، ولم يبقَ في المدينة سوى مجرد مجموعة من ناخبي جو بايدن يمرون أمام تمثال لنجم التنس آرثر آش.
هنا في مونتانا، ولاية حمراء عتيقة، أعيش كديمقراطية داخل مقاطعة زرقاء أكبر من ولاية ديلاوير. ومع ذلك، يعيش الجمهوريون بيننا ويشبهون الناس الطبيعيين تماماً.
من جانبه، وضع حزب تكساس الجمهوري، الذي لطالما اتسم بالطموح الشديد، مسألة الانفصال عن الولايات المتحدة في أحدث برنامج له. ومع ذلك، تبقى قضية الانفصال غير قانونية من الناحية الفنية ـ والفضل هنا يعود إلى تكساس، ذلك أن المحكمة العليا عام 1869 قضت بعدم دستورية الانفصال وأعلنت أن الاتحاد «دائم».
ومن هنا تأتي جاذبية هذه الأوهام المستمرة حول الانفصال والحرب الأهلية ـ الحقيقة أننا عالقون مع بعضنا إلى الأبد.