سياسة

أقنعة الملالي: تفجير أوضاع المنطقة عبر ميليشيا الحوثي


في مقال الأسبوع المنصرم تحدثت عن اتجاه استراتيجية الملالي على مستوى تفعيل أذرعها العسكرية صوب «اليمن» خاصرة الجزيرة العربية، البلد الذي استثمرت فيه طهران للانقضاض على الشرعية عبر التحالف مع «أنصار الله» ميليشيا الحوثي، واستدراجهم إلى فخ التبنّي والعمل لصالحها على الرغم من كل التاريخ المطوّل للتعامل خارج أقواس «الطائفية» معهم من قبل السعودية، واحترام كونهم مكّوناً إثنياً وسياسياً واجتماعياً في اليمن إلى الحد الذي كانت السعودية موئل رموزهم الدينية ومنهم العلامة مجد الدين المؤيدي العالم الزيدي المعتبر الذي كان يشنع على الشباب المؤمن ويحذّر منهم بعد تحول الحركة التي حولت «الزيدية» إلى «الإسلام السياسي الزيدي» على طريقة «الإسلام السياسي» السني الإخواني والإسلام السياسي الشيعي الذي دشنه الملالي لتصدير الثورة، وتلك قصّة لم تكتب بعد عن تحوّلات المدارس الدينية التقليدية في الإسلام إلى الثوروية الانقلابية وتقويض مفهوم الاستقرار والدوّلة طمعاً في تكريس دولة دينية متطرفّة وشمولية على طريقة الفاشية الدينية المحدثة والصاعدة، ومن يقرأ تفسير حسين الحوثي للقرآن في قرابة 1000 صفحة لا يكاد يرى سوى إعادة إنتاج لانقلابية سيّد قطب ممزوجة بتعاليم الخميني.

لا يمكن عزل ما يحدث اليوم من تجريف للهويّة في اليمن عن تلك التحوّلات للزيدية من مكوّن إثني وديني مدرسي في اليمن إلى ميليشيا انقلابية مسلّحة لأسباب كثيرة؛ منها التنافس على الحقل الذي تلتبس فيه علاقة الديني بالسياسي بين حزب «الإصلاح» والحوثيين الجدد وبمحاولة اللعب على إيقاع كل منها من قبل «حاوي» تدجين الأفاعي ومدوزن التناقضات القبلية والجهوية لصالح بقاء حزبه السياسي الراحل علي صالح الذي قتل بمخالب الحوثيين التي طالته قبل أن تصل إليه رصاصات التنظيمات المتطرفة من «القاعدة» وأخواتها.

اليوم بات الحوثيون ذراعاً مسلحة فجّة ومباشرة لملالي تصدير الثورة منفصلين عن سياقهم الديني- الثقافي إلى مرحلة الانتحار الهوياتي، قبل أيام صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن طهران تتحدى مجلس الأمن بتهريبها أسلحة للحوثيين، مطالباً بتحرك دولي لتجديد حظر الأسلحة المفروض عليها، وقال إن اعتراض أسلحة من إيران في طريقها للحوثيين دليل على أنها أكبر دولة راعية للإرهاب، بعد أن اعترضت السفن الأميركية 385 صاروخاً إيراني الصنع وأسلحة أخرى في طريقها إلى ميليشيا الحوثي في تحدٍ سافر لمجلس الأمن الدولي الذي وإن خرج عن صمته بتقاريره الأخيرة لكنه لا يزال يراوح كما بعض القوى الغربية في فهم سياق «تحول» الحوثيين إلى ميليشيا حربية مقوضة ومهددة لأمن المنطقة، وقبل ذلك إلى أداة قتل وتدمير وخطف وتفخيخ لمنازل اليمنيين الذين إن نجوا من بطش قتلها المباشر لم ينجوا من ألغامها المزروعة في كل أنحاء اليمن، ومؤخراً أكد تقرير خبراء الأمم المتحدة حصول ميليشيا الحوثي على صواريخ متطورة خلال العام 2019 تشبه تلك المنتجة في إيران.

تحوّلُ الحوثيين إلى أداة طيّعة لمشروع الملالي قتل حتى الآن بحسب التقارير الحقوقية ما يزيد على 100 ألف يمني، وبحسب تقارير لـ13 منظمة دولية بالتعاون مع الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، خلال شهر واحد فقط شملت انتهاكات ميليشيا الحوثي القتل المباشر والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري الذي طال المدنيين، إضافة إلى زراعة الألغام وجرائم القنص وانفجار المقذوفات وقذائف الهاون التي تطلقها الميليشيا على القرى والمدن الآهلة بالسكان، واقتحام وتفجير المنازل السكنية للمواطنين عدا المباني والمنشآت الحكومية والخاصة وما في حكمها.

وحين تنشغل المنظمات الحقوقية بالمساعدات الإغاثية والجوانب الحقوقية إلا أن تلك المساعدات لا تصل إلى مستحقيها، ويتم سرقة حتى المساعدات المقدمة من السعودية والتحالف وإعادة بيعها بأضعاف سعرها في محاولة إلى إنشاء اقتصادات بديلة لميليشيا الحوثي، وبحسب تقرير لجنة الخبراء الدوليين حول عرقلة الحوثيين إيصال وتوزيع المساعدات تم تأخير وصول شحنات طبية وغذائية عرّضها للتلف، كما أشارت إلى تهديدات ضد العاملين في المجال الإنساني والإغاثي وترهيبهم وعدم احترام استقلال المنظمات الإنسانية ووضع كثير من العقبات الإدارية والبيروقراطية كتأخير الموافقة على الاتفاقات الفرعية لمدد تصل إلى أكثر من 11 شهراً، فضلاً عن حيل التلاعب بقوائم المستفيدين مما حدا بوكالات الإغاثة إلى إصدار بيان صارخ عن الصعوبات البالغة في إيصال الإغاثة إلى المستحقين بسبب المنغصات التي تفرضها ميليشيا الحوثي من خلال تعنّت المسؤولين الذين تعينهم كمشرفين في مختلف أجهزة الدولة في المناطق المختطفة منذ الانقلاب على الشرعية. وزاد الطين بلّة تقدم ميليشيا الحوثي برغبتهم في تأكيد حالة الاستلاب لأبسط حقوق اليمنيين الذين يقعون تحت سلطتهم القمعية برغبتهم فرض نسبة 2 في المائة كضرائب لتمويل حالة العسكرة على المساعدات الإغاثية، وهو ما قوبل برفض تلك المنظمات، وتلويح الدول المانحة بوقف المعونات المرسلة إلى اليمن، بسبب استمرار ميليشيات الحوثي فرض عوائق على توزيع المساعدات الإنسانية على المحتاجين لها في مناطق سيطرتها.

الحالة المأساوية التي بلغها تخاذل المجتمع الدولي في إهمال الملف اليمني والازدواجية في تقييم حالة النزاع وعدم تصنيف ميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية خاضعة لهوس الملالي في استهداف المنطقة والسيطرة على خطوط الملاحة العالمية والتشغيب على أمن السعودية وتهديد الخليج، إضافة إلى عدم الاستماع إلى نداءات الحكومة الشرعية بضرورة التصدّي إلى حالة الانهيار التي يتسبب فيها جنوح ميليشيا الحوثي لتخفيف الضغط على ملالي طهران؛ أمر لا يمكن السكوت عنه بعد الآن، ويكفي أن ندرك أن مجرد إصدار التقارير الكاشفة والمنددة لم يعد كافياً دون اتخاذ قرار أممي ودولي تجاه نزعة ذراع الملالي النشط في اليمن لتفجير الأوضاع.

في ورقة للباحث المرموق بمعهد واشنطن لدراسات السياسات في المنطقة فرزين نديمي يؤكد تصاعد نشاط الحوثيين لخدمة ملالي طهران عبر الانتقال من الهجمات البحرية إلى الهجمات الجوية، ويرجح ذلك حقائق جغرافية كخسارة القواعد الساحلية. كما يشير ذلك بحسب ورقته بعنوان: «كشف اعتماد الحوثيين على الأسلحة الإيرانية» إلى تنوع الاستخدامات والفوائد المتزايدة للطائرات الانتحارية من دون طيّار والصواريخ العابرة، ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد إمكانية إعادة ظهور تكتيكات قديمة أو دمجها مع تكتيكات جديدة في حال قرّر الحوثيون استهداف أصول بحرية ذات أهمية كبرى عبر خليج عدن وجنوب البحر الأحمر.

ما يحدث في اليمن اليوم صفحة جديدة من جنوح ملالي طهران عبر أكثر أذرعهم نشاطاً ميليشيا الحوثي إلى تفجير أوضاع المنطقة في محاولة للرد على تصفية سليماني دون تحمّل المسؤولية المباشرة عن العمليات كجزء من حنق نظام طهران وحماقته التي يحسبها حنكة يمكن أن تنطلي على الجميع!

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى